(٢) لله در الشيخ ما أجاد ولم تبق إذًا فاقة إلى توجيهات ذكرها الشراح، ووجه الحافظ بتوجيه آخر، فقال: ووجه التعبير بذلك من جهة اشتراك اللبن والعلم في كثرة النفع وكونهما سببًا للصلاح، فاللبن للغذاء البدني، والعلم للغذاء المعنوي، وفي الحديث فضيلة عمر وأن الرؤيا من شأنها أن لا تحمل على ظاهرها، وإن كانت رؤيا الأنبياء من الوحي لكن منها ما يحتاج إلى تعبير، ومنها ما يحمل على ظاهره، والمراد بالعلم ههنا العلم بسياسة الناس، بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر وباتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان، فإن مدة أبي بكر كانت قصيرة فلم يكثر فيها الفتوح التي هي أعظم الأسباب في الاختلاف، ومع ذلك فساس عمر فيها مع طول مدته الناس بحيث لم يخالفه أحد، ثم ازدادت اتساعًا في خلافة عثمان، فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء، ولم يتفق له ما اتفق لعمر من طواعية الخلق له، فنشأت من ثم الفتن إلى أن أفضى الأمر إلى قتله، واستخلف علي فما ازداد الأمر إلا اختلافًا، والفتن إلا انتشارًا، انتهى. وقال القارئ: قال العلماء بين عالم الأجسام وعالم الأرواح عالم آخر يقال له عالم المثال، والنوم سبب لسير الروح في عالم المثال ورؤية ما فيه من الصور غير الجسد، والعلم مصور بصور اللبن في ذلك العالم بمناسبة أن اللبن أول غذاء البدن وسبب صلاحه، والعلم أول غذاء الروح وسبب صلاحه، وقيل: التجلي العلمي لا يقع إلا في أربع صور، الماء، واللبن، والخمر، والعسل، تناولتها آية فيها ذكرت أنهار الجنة فمن شرب الماء يعطي العلم اللدني، ومن شرب اللبن يعطي العلم بأسرار الشريعة، ومن شرب الخمر يعطي العلم بالكمال، ومن شرب العسل يعطي العلم بطريق الوحي، وقد قال بعض العارفين: إن الأنهار الأربعة عبارة عن الخلفاء، ويطابقه تخصيص اللبن بعمر في هذا الحديث، انتهى.