للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>


((حتى)) أصرح قرينة على ما أفاده الشيخ، وإلى هذا التوجيه أشار المصنف أيضًا فيما سيأتي من كلامه، قال النووي: قوله ألا أخبركم بخير الشهداء إلخ في المراد بهذا الحديث تأويلان: أصحهما وأشهرهما تأويل مالك وأصحاب الشافعي أنه محمول على من عنده شهادة لإنسان بحق ولا يعلم ذلك الإنسان أنه شاهد، فيأتي إليه فيخبره بأنه شاهد له، والثاني أنه محمول على شهادة لحسبة، وذلك في غير حقوق الآدميين المختصة بهم، فمما تقبل فيه شهادة الحسبة الطلاق والعتق والوقف والوصايا العامة والحدود ونحو ذلك، فمن علم شيئًا من هذا النوع وجب عليه رفعه إلى القاضي وإعلامه به، وحكى تأويل ثالث أنه محمول على المجاز والمبالغة في أداء الشهادة بعد طلبها لا قبله، كما يقال: الجواد يعطي قبل السؤال، أي يعطي سريعًا عقب السؤال من غير توقف، وليس في هذا الحديث مناقضة للحديث الآخر في ذم من يأتي بالشهادة قبل أن يستشهد في قوله صلى الله عليه وسلم: يشهدون ولا يستشهدون، وقد تأول العلماء هذا تأويلات: منها أنه محمول على شاهد الزور، فيشهد بما لا أصل له ولم يستشهد، ومنها أنه محمول على من ينتصب شاهدًا وليس هو من أهل الشهادة، ومنها أنه يشهد لقوم بالجنة أو بالنار من غير توقف، وهذا ضعيف، انتهى. وزاد العيني على بعضها قال ابن بطال: والشهادة المذمومة لم يرد بها الشهادة على الحقوق، إنما أريد بها الشهادة في الإيمان يدل عليه قول النخعي رواية في آخر الحديث: وكانوا يضربوننا على الشهادة، فدل هذا من قول إبراهيم أن الشهادة المذمومة هي قول الرجل: أشهد بالله ما كان كذا على كذا على معنى الحلف فكره ذلك، وهذه الأقوال أقوال الذين جمعوا بين الحديثين، انتهى. يعني ومال آخرون إلى ترجيح أحد الحديثين على الآخر، قال الحافظ: اختلف العلماء إلى ترجيحهما فجنح ابن عبد البر إلى ترجيح حديث زيد بن خالد لكونه من رواية أهل المدينة فقدمه على رواية أهل العراق، وبالغ فزعم أن حديث عمران لا أصل له، وجنح غيره إلى ترجيح حديث عمران لاتفاق صاحبي الصحيح عليه، وانفراد مسلم بإخراج حديث زيد، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>