سلكه هي التي قال الجصاص أيضًا: اختلف الفقهاء في شهادة المحدود في القذف بعد التوبة، فقال أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد والثوري والحسن بن صالح: لا تقبل شهادته إذا تاب، وتقبل شهادة المحدود في غير القذف، وقال مالك والليث والشافعي: تقبل شهادة المحدودة في القذف إذا تاب، وقال الأوزاعي: لا تقبل شهادة محدود في الإسلام، انتهى. وقال الحافظ في الفتح: قال الجمهور إن شهادة القاذف بعد التوبة انتهى. وقال الحافظ في الفتح: قال الجمهور إن شهادة القاذف بعد التوبة تقبل، سواء كان بعد إقامة الحد أو قبله، وتأولوا قوله تعالى {أَبَدًا} ما دام مصرًا على قذفه، وبالغ الشعبي فقال: إن تاب القاذف قبل إقامة الحد سقط عنه، وذهب الحنفية إلى أن شهادته لا تقبل أبدًا، وقال بذلك بعض التابعين، وفيه مذهب آخر يقبل بعد الحد لا قبله، انتهى. قال ابن رشد: سبب الخلاف هل يعود الاستثناء في قوله تعالى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} الآية، إلى أقرب مذكور إليه، أو على الجملة إلا ما خصصه الإجماع، وهو أن التوبة لا تسقط عنه الحد، انتهى. قال العيني: شهادته لا تقبل أبدًا عند الحنفية لأن رد الشهادة من تتمة الحد لأنه يصلح جزاء، فيكون مشاركًا للأول في كونه حدًا، وقوله {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} لا يصلح جزاء، لأنه ليس بخطاب للأئمة، بل هو إخبار عن صفة قائمة بالقاذفين، فلا يصلح أن يكون من تمام الحد، لأنه كلام مبتدأ على سبيل الاستيناف منقطع عما قبله، لعدم صحة عطفه على ما سبق، لأن قوله: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} جملة إخبارية ليس بخطاب للأئمة، وما قبله جملة إنشائية خطاب للأئمة، وكذا قوله: ولا تقبلوا جملة إنشائية خطاب للأئمة، فيصلح أن يكون عطفًا على قوله فاجلدوا، والشافعي قطع قوله ولا تقبلوا عن قوله فأجلدوا مع دليل الاتصال وهو كونه جملة إنشائية صالحة للجزاء مفوضة إلى الأئمة مثل الأولى، وواصل قوله {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} مع قيام دليل الانفصال وهو كونه جملة اسمية غير صالحة للجزاء، انتهى.