(٢) قلت: عدم قبول شهادة الوالد لابنه وكذا العكس إجماعي لم يختلف فيه إلا بعض أصحاب الظواهر، كما تقدم في كلام ابن رشد، والحديث باعتبار ما وجهه الشيخ لا يخالف أحدًا من الأئمة، ولعل المصنف حمل القرابة على مطلق القرابة، فقال: ولا نعرف معنى الحديث، وهذا كله على الاحتمال الثاني من احتمالي معنى الظنين، وأما على الأول فهو فسق كما عرفت. (٣) فقد قال صاحب البدائع بعد ما ذكر عدم قبول شهادة الوالد وإن علا لولده وإن سفل وكذا العكس: أما سائر القربات كالأخ والعم والخال ونحوهم فتقبل شهادة بعضهم لبعض، لأن هؤلاء ليست لبعضهم تسلط في مال البعض عرفًا وعادة فالتحقوا بالأجانب، وكذا تقبل شهادة الوالد من الرضاع لولده من الرضاع، وكذا العكس. (٤) جواب عما يرد على الجمهور أن نفي قبول شهادة الولد لوالده، وكذا العكس ينافي عموم الآية، وأجاب عنه الجصاص في أحكام القرآن بوجه آخر فقال: إن قيل إذا كان الشاهد عدلاً فواجب قبول شهادته لهؤلاء، كما تقبل لأجنبي، لأن من كان متهمًا في الشهادة لابنه بما ليس بحق له فجائز عليه مثل هذه التهمة للأجنبي، قيل له: ليست التهمة المانعة من قبول شهادته لابنه ولأبيه تهمة فسق ولا كذب، وإنما التهمة فيه من قبيل أنه يصير فيها بمعنى المدعي لنفسه، ألا ترى أن أحدًا من الناس وإن ظهرت أمانته وصحت عدالته، لا يجوز أن يكون مصدقًا فيما يدعيه لنفسه، لا على جهة تكذيبه ولكن من جهة أن كل مدع لنفسه فدعواه غير ثابتة إلا ببينة تشهد له بها، فالشاهد لابنه بمنزلة المدعي لنفسه لما بينا، وكذلك قال أصحابنا إن كل شاهد يجر بشهادته إلى نفسه مغنمًا أو يدفع بها عن نفسه مغرمًا فغير مقبول الشهادة، لأنه حينئذ يقوم مقام المدعي، والمدعي لا يجوز أن يكون شاهدًا فيما يدعيه، ثم اشتهد على ذلك بشهادة خزيمة في قصة بيع الأعرابي مع أنه لا أحد من الناس أصدق من نبي الله صلى الله عليه وسلم إذ دلت الأعلام المعجزة على أنه لا يقول إلا حقًا، وأن الكذب غير جائز عليه، انتهى.