للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الآخر، وهو الاشتراك في كونهما كذبًا، وإن كان موجب أحدهما أشد من الآخر، فقوله عدلت لا يستلزم التكافؤ من كل وجه.

قوله [واجتنبوا قول الزور] في إعادة لفظ الأمر مزيد توكيد حيث كرر أمر الاجتناب، ولم يذكره تبعًا لما قبله. قوله [ثلاثًا] أي كرر الفقرة المذكورة ثلاثًا. قوله [ثم الذين يلونهم] في بعض النسخ مرتين، وفي البعض الآخر ذكره ثلاثًا، ومآلهما (١) بعد ذكر الراوي قوله ثلاثًا واحد (٢).


(١) يعني لما ذكر الراوي لفظ ثلاثًا بالتصريح فلا بد أن تحمل النسخ التي وقعت فيها هذه الجملة مرتين على الاختصار ولا يكون بين النسختين تضاد، وقد أخرج البخاري من حديث عمران قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، قال الحافظ: وقع مثل هذا الشك في حديث ابن مسعود وأبي هريرة عند مسلم، وفي حديث بريدة عند أحمد، وجاء في أكثر الطرق بغير شك، منها عن النعمان بن بشير عند أحمد، وعن مالك عند مسلم عن عائشة، قال رجل: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني ثم الثالث، ووقع في رواية الطبراني وسمويه ما يفسر به هذا السؤال، وهو ما أخرجاه من طريق بلال بن سعد بن تميم عن أبيه، قلت: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: أنا وقرني، فذكر مثله، وللطيالسي من حديث عمر رفعه خير أمتي القرن الذي أنا منهم، ثم الثاني ثم الثالث، ووقع في حديث جعدة بن هبيرة عند ابن أبي شيبة والطبراني إثبات القرن الرابع ولفظه: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الآخرون أردأ، ورجاله ثقات، إلا أن جعدة مختلف في صحبته، انتهى. واقتضى الحديث أن تكون الصحابة أفضل من التابعين، والتابعون أفضل من أتباع التابعين، لكن هل هذه الأفضلية بالنسبة إلى المجموع أو الأفراد؟ محل بحث، وإلى الثاني نحا الجمهور، والأول قول ابن عبد البر، قاله الحافظ، وسيأتي تمام كلامه في أبواب الأمثال تحت قوله صلى الله عليه وسلم: مثل أمتي مثل المطر، الحديث، وفي أبواب المناقب تحت حديث القرون
(٢) وهي خيرية القرن الثالث بعد قرنه صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالحديث يخالف الأحاديث التي ورد فيها بعد القرنين: ثم يفثو الكذب، ومقتضاها فشو الكذب ونحوه في القرن الثالث، وجمع بينهما في الإرشاد الرضى بأن الخيرية والشرية إضافيتان، فالقرن الثالث بعد قرنه صلى الله عليه وسلم شر باعتبار القرون الثلاثة التي سبقت، وخير باعتبار القرون الآتية، قلت: ويؤيده ما في المشكاة بوراية البخاري عن أنس مرفوعًا: لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده أشر منه، قال القارئ: وفي الجامع عن أنس مرفوعًا بلفظ: لا يأتي عليكم عام ولا يوم إلا والذي بعده شر منه، رواه أحمد والبخاري والنسائي، وفي الكبير للطبراني عن أبي الدرداء مرفوعًا: ما من عام إلا ينقص الخير فيه، ويزيد الشر، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>