للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى غير ذلك، أو في الفعل بأن يطلب كل كثرة على الآخر في ماله وخيله وجماله.

قوله [فأمضيت] فيه إشارة (١) إلى أنه ينبغي أن يكثر الانفاق، لأنه إبقاء إلى غير ذلك الموضع، فيوجد باقيًا، وقوله أفنيت وأبليت إشارتان إلى أن الواجب أو الذي ينبغي أن يداوم عليه ويثابر الاكتفاء من الأكل واللباس على ما لا بد منه، فإنه لما كان إفناءًا وإبلاءًا ينبغي أن لا يستكثر منهما فإنه إضاعة مختصة.

قوله [فكأنما حيزت (٢) له الدنيا] أي كأنه سلطان، فإن المستفاد يجمع الدنيا ليس إلا هذه الثلاث.

قوله [ثم نقر بيديه (٣)] أي صفق بهما وضرب بإحداهما على الأخرى


(١) قال القارئ: قوله فأمضيت، أي أمضية من الإفناء والإبلاء وأبقيته لنفسك يوم الجزاء، قال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاق} وقال عز اسمه {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} الآية، انتهى.
(٢) قال القارئ: من الحيازة وهي الجمع والضم، قول في أوله: قوله سربه، المشهور كسر السين أي في نفسه، وقيل: السرب الجماعة فالمعنى في أهله وعياله، وقيل: بفتح السين أي في مسلكه وطريقه، وقيل: بفتحتين أي في بيته، انتهى.
(٣) هكذا في النسخ الهندية، وما فسر به الشيخ محتمل اللفظ، وفي النسخة المصرية، ثم نفض بيده، وفي المشكاة برواية أحمد والترمذي وابن ماجة: ثم نقد بيده، قال صاحب المجمع: بالدال من نقدته بأصبعي واحدًا بعد واحد، وهو كالنقر بالراء، ويروى به أيضًا، والمراد ضرب الأنملة على الأنملة أو على الأرض كالمتقلل للشيء، أي يقلل عمره وعدد بواكيه، ومبلغ تراثه، وقيل: هو فعل المتعجب من الشيء، انتهى. وقال القارئ: نقد بالنون والقاف والدال المهملة المفتوحات أي نقد النبي صلى الله عليه وسلم بيده، بأن ضرب إحدى أنملتيه على الأخرى حتى سمع منه صوت، وفي النهاية: هو من نقد الدراهم، ونقد الطائر الحب إذا لقطه واحدًا بعد واحد، وهو مثل النقر، ويروى بالراء وهو كذا في نسخة، أي صوت بأصبعه، وفي رواية -وهي الظاهر من جهة المعنى جدًا- ثم نفض يده، انتهى. ثم ذكر شيخ مشائخنا الشاه عبد الغني في الانجاح أن هذه الفرقة تسمى الملامتية ورئيسهم الصديق الأكبر فإنه لم ينقل عنه ما نقل عن غيره من الصحابة والتابعين وغيرهم من العبادات الكثيرة الشاقة، ومع ذلك ورد في حقه: لو وزن إيمان أمتي مع إيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر، وحقق ذلك الشيخ محي الدين العربي، وتبعه الشيخ عبد الوهاب الشعراني في اليواقيت، وإنما يسمون بالملامتية لأنهم لا يخافون في الله لومة لائم، لعدم التفاتهم إلى المخلوق لا لما اشتهر بين الناس أنهم يتهاونون في بعض أمور الشرع، حاشاهم عن ذلك، وتعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا، ولا يخفى أن مثل هذا الرجل يلام في العوام، ما لهذا الرسول يأكل الطعام، الآية، ثم لا يخفى أن هذه الصفات التي ذكرت في الحديث من كونه خفيف الحاذ، وقلة الرزق، والغموض في الناس، والحظ في الصلاة، وتعجيل المنية، وقلة التراث، كانت في الصديق الأكبر على وجه الكمال، فإنه لم يفتح في زمنه فتوحات، ولم يعش بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا سنتين وأشهرًا، وحظه في الصلاة بحيث لا يلتفت إلى غيرها مشهور في الأحاديث الصحاح، والغموض في الناس على حرفة البزازين، وقلة بواكيه لقلة العيال مما لا يخفى على المتأمل، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>