للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شفعت، وذلك لأنه قد كانت لي دعوة مستيقن إجابتها، لكني دعوت بها على قومي فلم يبق، فلا أشفع، أو المعنى أني لما دعوت على قومي فأهلكهم الله أخاف أن يسأل ربي لم دعوت عليهم فماذا جوابي إذًا. قوله [وإني قد كذبت ثلاث كذبات إلخ] وهذه وإن لم تكن كذبات (١) حقيقة بل إيهامًا وتورية وهي جائزة، لكنه عليه السلام خاف بها أيضًا على نفسه، فإنما حسنات الأبرار سيئات المقربين.

قوله [فأرفع رأسي فأقول: يا رب أمتي إلخ] هكذا (٢) ذكره أصحاب


(١) قال البيضاوي: إحدى الكذبات المنسوبات إلى إبراهيم عليه السلام قوله: إني سقيم، وثانيتها قوله: بل فعله كبيرهم هذا، وثالثتها قوله لسارة: هي أختي، والحق أنها معاريض ولكن لما كانت صورتها صورة الكذب سماها أكاذيب واستنقص من نفسه لها، فإن من كان أعرف بالله وأقرب منه منزلة كان أعظم خطرًا، وأشد خشية، وعلى هذا سائر ما أضيف إلى الأنبياء من الخطايا، قال ابن الملك: الكامل قد يؤاخذ بما هو عبادة في حق غيره كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين، كذا في المرقاة.
(٢) وهكذا وقع في أكثر الروايات فقد أخرج البخاري حديث أنس في الشفاعة ووقع في آخره: ثم أشفع فيحد لي حدًا، ثم أخرجهم من النار، قال الحافظ: كأن راوي هذا الحديث ركب شيئًا على غير أصله وذلك أن في أول الحديث ذكر الشفاعة في الإراحة من كرب الموقف، وفي آخره ذكر الشفاعة في الإخراج من النار، يعني وذلك يكون بعد التحول من الموقف والمرور على الصراط، وسقوط من يسقط في تلك الحالة، وهو إشكال قوي، وقد أجاب عنه عياض، وتبعه النووي بأنه وقع في حديث حذيفة بعد قوله: فيأتون محمدًا فيقوم فيؤذن له أي في الشفاعة، وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبي الصراط الحديث. قال عياض: فبهذا يتصل الكلام لأن الشفاعة التي لجأ الناس إليه فيها هي الإراحة من كرب الموقف، ثم تجيء الشفاعة في الإخراج، ثم بسط الحافظ الروايات الدالة على ذلك، وقال بعد ذكر الجمع في الموقف، الأمر باتباع كل أمة ما كانت تعبد، ثم تمييز المنافقين من المؤمنين، ثم حلول الشفاعة بعد وضع الصراط والمرور عليه قال: وبهذا تجتمع متون الأحاديث وتترتب معانيها، فكأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر. قلت، ويمكن الجواب أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم لما طلب تعجيل الحساب ليوم المحشر طلب أيضًا لأمته خاصة أدعية مخصوصة كما هو ظاهر دأبه صلى الله عليه وسلم من أدعيته العامة والخاصة الشاملة الكاملة، فعلى هذا يكون قوله صلى الله عليه وسلم: يا رب أمتي أمتي أحد الأدعية التي دعا بها في هذا الوقت ذكرها تطييبًا لقلوب أمته.

<<  <  ج: ص:  >  >>