للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صحيح، فإن بين الطافي والمقذوف تفاوتًا فإن الطافي مع ما ورد من استثنائه في الحديث يموت لسمية فيه ومرض، بخلاف المقذوف فإن موته لعدم وجدانه الماء لا غير، وقد أحل لنا ميتته، وأيضًا ففي الحديث جواز السمك الكبير كما ذهب إليه الشيخان، وقال (١) محمد رحمه الله تعالى بكراهة ما يمكن أن يأكل إنسانًا لكبره، ولا يمكن أن يعتذر من جانبه أن أكله كان للضرورة فإن الأمر لو كان منوطًا بالضرورة لما وسعهم الشبع، وقد ثبت أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب بقيته منهم، ولو كان أكله للضرورة لما فعل.

قوله [بكى للذي كان فيه من النعمة (٢)] وإنما كان ذلك رأفة به (٣) وشفقة عليه، لا رغبة في الغنى عن الفقر، ويدل على ذلك الفقرة الآتية فإنه فضل بها فقرهم هذا على الغنى. قوله [وضعت بين يديه صحفة ورفعت أخرى] وكانوا لا يأكلون


(١) لم أجد هذا الاختلاف في الفروع المتداولة المشتهرة فليفتش، وإنما ذكروا خلاف محمد في الجريث والمارماهي، ففي الدرر: ومن السمك المأكول الجريث والمارماهي، خصهما بالذكر إشارة إلى ضعف ما نقل في المغرب عن محمد أن جميع السمك حلال غيرهما، وقريب منه ما في الدر المختار إذ قال: أفردهما بالذكر للخفاء وخلاف محمد.
(٢) فقد قال الحافظ في الإصابة: كان أنعم غلام بمكة وأجوده حلة مع أبويه، وفي الحاشية: كان أبوه ذا ثروة يعطي ابنه من كل شيء عنده من الثياب الفاخرة، وكان كافرًا، فلما أسلم مصعب أمسك عطاءه عنه، وقال القاري: كان في الجاهلية من أنعم الناس عيشًا وألينهم لباسًا، فلما أسلم زهد في الدنيا، وفيه نزل {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} الآية. انتهى.
(٣) هذا هو الأوجه بل هو المتعين لظاهر السياق، ومال القاري إلى أن بكاءه صلى الله عليه وسلم كان للفرح في أنه وجد في أمته من اختار الزهد في الدنيا والإقبال على العقبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>