للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله [بمنزلة الصائم الصابر] في أنهما قد أتيا طاعة معروفة، وإن كان (١) أجر الصبر أوفر من أجر الشكر. قوله [بمن يحرم على النار ويحرم عليه النار] أي المضادة ثابتة من الطرفين، فلو دخل مثل هذا الرجل في النار لما أكلته، ومعنى القريب أنه لسهولة أخلاقه لا يتباعد منه الناس ولا يتوحشون منه، والهين المنقاد لكل أحد المتحمل أقوالهم وأفعالهم الذين أمروه بإتيانها، والسهل المنقاد الساعي في أمورهم وإن لم يأمروا بإتيانها إياه.

قوله [فإذا حضرت الصلاة] أي مع ذكر (٢) من اشتغال صلى الله عليه وسلم بهذه الأمور لم تكن تعله لعلقة غفلة عن ذكره سبحانه. قوله [يسقون من عصارة أهل النار] ظاهره (٣) مشكل فإنه أهل النار لم يصلوا بعد في جهنم فمن أين حصلت عصارتهم؟


(١) لما أن الجمهور على أن فضيلة الفقر أكثر من فضيلة الشكر والغنى، ولذا اختار الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم معيشة الفقر، على أنه صلى الله عليه وسلم كان محرزًا للفضيلتين معًا كما تقدم.
(٢) هكذا في المنقول عنه، وحق العبارة أي مع ما ذكر من اشتغاله صلى الله عليه وسلم إلخ. والمعنى أن من عادة الناس أنهم إذا اشتغلوا في شيء غفلوا عن غيره كثيرًا، لكن النبي صلى الله عليه وسلم مع اشتغاله بما ذكر من مهنة أهله لا تعلوه غفلة عن ذكره عز اسمه، وتعلقه بهذه الأمور لا يعوقه عن الاشتغال بالصلاة في وقتها.
(٣) وأشكل أيضًا أن الحديث بظاهره يخالف قوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} وأيضًا ورد في الروايات من أن الأجساد تعاد على ما كانت عليه من الأجزاء، حتى أنهم يحشرون غرلاً، وأجاب عنه التوربشتي إلى أن أمثال الذر في حديث الباب مجاز عن غاية الحقارة، ولا يراد بها الحقيقة، وقال الطيبي: إن الله تعالى قادر على أن يعيد هذه الأجزاء في أمثال الذر، فلا مانع عن إرادة الحقيقة، انتهى. وكتب الشيخ على هامش كتابه بعد ذلك: لأن الأجزاء الأصلية هي التي تكون من النطفة وهي قليلة جدًا، ولأن التكاثف فيها ممكن، وحقق القاري أن الإعادة يكون عند إخراجهم من القبور، وبعد ذلك يمسخون في المحشر في هذه الصور تذليلاً لهم، وعلى هذا المعنى الأخير اكتفى صاحب الإرشاد الرضى، فلعله هو مختار الشيخ الأقدس.

<<  <  ج: ص:  >  >>