للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله [إلا بحقها] أي إلا بحق الكلمة كقتل القاتل ورجم الزاني فإن الكلمة تجوز قتلهما. قوله [كفر من كفر من العرب إلخ] قد صار هؤلاء ثلاث فرق: منهم من ارتد عن الإسلام، ومنهم من أنكر فرضية الزكاة، ومنهم من أنكر أداءها إليه وإن أقر بأنها فريضة الله على عباده، والأولان منهم كافرون دون الثالث، فإطلاق كفر من كفر في الرواية تغليب، أو المقصود بيان الكافرين لا الثالث، وكان هؤلاء (١)


(١) أشار الشيخ إلى دفع إيراد يرد على ظاهر الحديث فإن ظاهر قوله «كفر من كفر» يشير إلى أن مناظرة الشيخين كانت في قتال المرتدين، وهذا مشكل جدًا وبعيد عن مثل عمر، وأيضًا يشكل على قوله «كفر من كفر» ما قال عمر: كيف تقاتل الناس إلخ فدفعهما الشيخ بهذا الكلام، وحاصله أن قوله «كفر من كفر» لا دخل له في المناظرة بل إشارة إلى معظم ما وقع في هذا الزمان وبيان للطائفتين الكافرتين لا الطائفة التي وقعت فيها المناظرة، أو يقال: إن إطلاق الكفر على الطوائف كله مجاز لدخول كلهم في منع أهل الردة، وتوضيح ذلك ما في البذل عن العيني أن هؤلاء كلهم كانوا صنفين: صنف ارتدوا عن الدين ونابذوا الملة وهم الذين عناهم أبو هريرة بقوله «وكفر من كفر» وهذه الفرقة طائفتان: إحداهما أصحاب مسيلمة وأصحاب الأسود العنسي، وهذه الفرقة بأسرها منكرة لنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مدعية للنبوة لغيره، فقاتلهم أبو بكر حتى قتل الله مسيلمة باليمامة والعنسي بالصنعاء. والطائفة الثانية ارتدوا عن الدين فأنكروا الشرائع وتركوا الصلاة والزكاة وغيرهما من أمور الدين وعادوا إلى ما كانوا عليه في الجاهلية، والصنف الآخر هم الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة فأقروا بالصلاة وأنكروا فرض الزكاة ووجوب أدائها إلى الأمام وهؤلاء على الحقيقة أهل بغي، وإنما لم يدعوا بهذا الاسم في ذلك للزمان خصوصًا لدخولهم في غمار أهل الردة، فأضيف الاسم في الجملة إلى الردة إذ كانت أعظم الأمرين وأهمهما، وأرخ قتال أهل البغي في زمان على إذ كانوا منفردين ولم يختلطوا بأهل الشرك، وقد كان في ضمن هؤلاء المانعين من لا يمنعها إلا أن رؤسائهم صدوهم عن ذلك كبني يربوع، فإنهم جمعوا صدقاتهم وأرادوا أن يبعثوها إلى أبي بكر فمنعهم مالك بن نويرة وفرقتها فيهم، انتهى. وقال الحافظ تحت قول الصديق لأقاتلن من فرق: يجوز تشديد فرق وتخفيفه، والمراد بالفرق من أقر بالصلاة وأنكر الزكاة جاحدًا أو مانعًا مع الاعتراف، وإنما أطلق في أول القصة الكفر ليشمل الصنفين، فهو في حق من جحد من جحد حقيقة وفي حق الآخرين مجاز تغليبًا، وإنما قاتلهم الصديق ولم يعذرهم بالجهل لأنهم نصبوا القتال فجهز إليهم من دعاهم إلى الرجوع فلما أصروا قاتلهم، انتهى. وعلم من ذلك أن الصنف الثاني في كلام العيني الذي سماهم أهل البغي كانوا أيضًا على صنفين، ولذا عدهم الشيخ فرقتين وجعل المرتدين كلهم فرقة واحدة لعدم الاحتياج ها هنا إلى تفصيل أحوالهم بخلاف مانعي الزكاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>