للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه تقديم الموقوف عليه الذي هو ملاك الأمر في السؤال، وأيضًا ففيه تقديم السؤال عما هو كاف للنجاة من الخلود في النار والدخول في الجنة وهو الإيمان، فعلم بذلك تقديم الأهم فالأهم. ثم الإيمان باعتبار كونه (١) معقودًا عليه


(١) هذا من المسائل التي اختلف فيها السلف والخلف، ومحل بسطه المطولات، قال العيني في أبحاث الإيمان: النوع الرابع في أن الإسلام مغائر للإيمان أو هما متحدان؟ فنقول: الإسلام في اللغة الانقياد والإذعان، وفي الشريعة الانقياد لله بقبول رسوله صلى الله عليه وسلم بكلمتي الشهادة والإتيان بالواجبات، والانتهاء عن المنكرات، كما دل عليه جواب النبي صلى الله عليه وسلم حين سأله جبريل عليه السلام عن الإسلام، ويطلق الإسلام على دين محمد، كما يقال دين اليهودية والنصرانية، قال تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} واختلف العلماء فيهما، فذهب المحققون إلى أنهما متغائران وهو الصحيح، وذهب بعض المحدثين والمتكلمين وجمهور المعتزلة إلى أن الإيمان هو الإسلام، والاسمان مترادفان شرعًا، قال الخطابي: والصحيح من ذلك أن يقيد الكلام ولا يطلق، وذلك أن المسلم قد يكون مؤمنًا في بعض الأحوال دون بعض، والمؤمن مسلم في جميع الأحوال، فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنًا. قال: وهذه إشارة إلى أن بينهما عمومًا وخصوصًا مطلقًا كما صرح به بعض الفضلاء، والحق أن بينهما عمومًا وخصوصًا من وجه، لأن الإيمان أيضًا قد يوجد بدون الإسلام، إلى آخر ما بسطه العيني. وفي شرح العقائد للنسفي: الإيمان والإسلام واحد، لأن الإسلام هو الخضوع والانقياد بمعنى قبول الأحكام والإذعان بها، وذلك حقيقة التصديق، ويؤيده قوله تعالى {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وبالجملة لا يصح في الشرع أن يحكم على أحد بأنه مؤمن وليس بمسلم، أو مسلم وليس بمؤمن، ولا تعني بوحدتهما سوى ذلك، وظاهر كلام المشايخ أنهم أرادوا عدم تغائرهما بمعنى أنه لا ينفك أحدهما عن الآخر، لا الاتحاد بحسب المفهوم، فإن قيل: قوله تعالى {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} صريح في تحقق الإسلام بدون الإيمان، قلنا: المراد أن الإسلام المعتبر في الشرع لا يوجد بدون الإيمان، وهو في الآية بمعنى انقياد الظاهر من غير انقياد الباطن، بمنزلة التلفظ بكلمة الشهادة من غير تصديق، والمراد بحديث الباب أن ثمرات الإسلام وعلاماته ذلك، إلى آخر ما بسطه.

<<  <  ج: ص:  >  >>