وقته بعد أداء الفرائض والسنن الرواتب مشغول في تعلم العلوم وتعليمها، إذ لو لم يأت بهذا القدر من العبادة لكان فاسقًا، {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}.
قوله [حتى يكون منتهاه الجنة] أي حتى الموت، فإن منتهى تحصيله العلوم إنما هو الموت لكنه عبر عنه بالجنة لما أن قبر المؤمن روضة من رياضها.
قوله [ضالة المؤمن] فإن (١) النفوس قد جبلت على الفطرة، وهي مبدأ لكل خير ومنشأ لكل حسنة، لكن كثافات البهيمية والدار الدنيوية منعتها عن ملاحظة تلك الفضائل فنسجت عليها عناكب الذهول والنسيان، ولكن كلما وقف عليها باطلاع من غيره أيًا ما كان فهو أحق بها لأنها كانت له، وإنما ذهبت من عنده لسوء اختياره وقلة تحفظه وتذكاره.
(١) لله در الشيخ ما أجاد في توجيه إطلاق الضالة على الحكمة، وهذا أوجه مما ذكرت الشراح من التوجيهات، قال القاري: قوله ضالة الحكيم، أي مطلوبه، قال السيد جمال الدين: يعني أن الحكيم يطلب الحكمة، فإذا وجدها فهو أحق بها، أي بالعمل بها واتباعها، أو المعن أن كلمة الحكمة ربما تفوه بها من ليس لهاها بأهل، ثم وقعت إلى أهلها فهو أحق بها من قائلها من غير التفات إلى خساسة من وجدها عنده، أو المعنى أن الناس يتفاوتون في فهم المعاني فينبغي أن لا ينكر من قصر فهمه عن إدراك الحقائق على من رزق فهمًا، كما لا ينازع صاحب الضالة في ضالته إذا وجدها، أو كما أن الضالة إذا وجدت مضيعة فلا تترك، بل تؤخذ ويتفحص عن صاحبها حتى ترد عليه، كذلك السامع إذا سمع كلامًا لا يفهم معناه ولا يبلغ كنهه، فعليه أن لا يضيعه وأن يحمله إلى من هو أفقه منه، فلعله يفهم أو يستنبط منه ما لا يفهمه، أو كما أنه لا يحل منع صاحب الضالة عنها فإنه أحق بها، كذلك العالم إذا سئل عن معنى لا يحل له كتمانه إذا رأى في السائل استعدادًا لفهمه، انتهى.