للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعل معه حيث إذن له بالدخول بعد ما استأذنه ثلاثًا، إلا أن أبا موسى لم يصبر بعد الثلاث فراح، فلما علم عمر رضي الله عنه بذهابه رده، وطلب منه العذر في الذهاب، فلو قال أبو موسى: إنه بدا لي أن أرجع لم يك له عليه سبيل، لكنه قال: عملت السنة أو امتثلت السنة، طلب منه شاهدًا على كون ذلك سنة، لا لأن عمر رضي الله عنه لم يكن يعتبر خبر الواحد كما زعمه (١) بعضهم، بل لما أن أبا موسى قد كان اتهم إذ ذاك، فإنه وإن كان صحابيًا إلا أنه لم يك معصومًا، فلعله قال ذلك خشية من الصولة العمرية، أو اجتهد برأيه فعبر عنه بالسنة لثبوته منها، ولئلا يجترئ كل أحد على بيان الحديث إذا رأى أمثال هؤلاء الكرام الموثوقين بم يطلب منهم البينة، وبذلك يعلم أن شهادة المتهم غير مقبولة، وأن الاستيثاق في الأخبار مستحسن.

قوله [ألستم أعلم الناس] أي من أعلم الناس، أو المراد بالناس أكثرهم ممن لم يك ملازمًا له صلى الله عليه وسلم.


(١) قال القاري: إنما أمره بذلك ليزداد فيه وثوقًا، فالعلمان خير من علم واحد لا للشك في صدق خبره عنده، وقال الطيبي: تعلق بهذا الحديث من يقول لا يحتج بخبر الواحد، وهو باطل، فإنهم أجمعوا على الاحتجاج بخبر الواحد، ووجوب العمل به ودلائلهم أكثر مما تحصى، وأما قول عمر فليس معناه رد خبر الواحد لكن خاف مسارعة الناس إلى القول على النبي صلى الله عليه وسلم بما لم يقل، كما يفعله المبتدعون والكذابون، وكذا من وقع له قضية وضع فيها حديثًا على النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد سد الباب لا شكًا في روايته، ومما يدل على أنه لم يرد خبره لكونه خبرًا واحدًا أنه طلب منه إخبار رجل آخر حتى يعمل بالحديث، ومعلوم أن خبر الاثنين خبر واحد، وكذا ما زاد حتى يبلغ التواتر، لأن ما لم يبلغ التواتر فهو خبر واحد، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>