قوله [أولاهما بالله] ومع ذلك فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم بما هو أدب كما سيجيء من أن الراكب يسلم على الماشي الحديث، فعلم أن محمل الحديث الآتي (١) هو ما إذا التقيا.
(١) الظاهر أن فيه سقوطًا من الكاتب لأن ما أفاده الشيخ هو محمل حديث الباب عند الشراح لا محمل الحديث الآتي، ويمكن أن يكون رأي الشيخ خلافًا للشراح، فيكون معنى كلامه أن مقتضى الحديث الاتي هو التفصيل وهو الأدب، لكن مع ذلك لو بدأ من ليس عليه البداية كان أكثر أجرًا لحديث الباب، ويمكن تأويل كلام الشيخ إلى الشراح أيضًا بأن يراد بالحديث الآتي هو هذا الحديث المذكور ها هنا وإن كان بعيدًا، لا حديث الراكب يسلم على الماشي، ويوضح كلام الشيخ كما يخطر في البال أن ظاهر حديث الباب هو فضل من بدأ بالسلام أيا ما كان، راكبًا كان أو ماشيًا صغيرًا كان أو كبيرًا، ومقتضى الحديث الآتي في باب تسليم الراكب هو الترتيب، فلعل الشيخ أشار بذلك إلى الجمع بينهما بأن محمل حديث الباب هو ماذا التقيا معًا في حالة واحدة كأن يكونا ماشيين أو راكبين، ومحمل حديث الترتيب ما إذا لم يكونا متساويين، قال الحافظ بعد ما بسط روايات الترتيب من تسليم القليل على الكثير، والراكب على الماشي، والماشي على القائد، والصغير على الكبير، والمار على القاعد: أي سواء كان المار ماشيًا أو راكبًا، وتبقى صورة لم تقع منصوصة، وهي ما إذا تلاقى ماران راكبان أو ماشيان، وقد تكلم عليه المازري فقال: يبدأ الأدنى منهما الأعلى قدرًا في الدين إجلالاً لفضله، لأن فضيلة الدين مرغب فيها في الشرع وإذا تساوى المتلاقيان من كل جهة فكل منهما مأمور بالابتداء وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، كما في حديث المتهاجرين من أبواب الأدب للبخاري، وأخرج أيضًا في الأدب المفرد بسند صحيح من حديث جابر قال: الماشيان إذا اجتمعا فأيهما بدأ بالسلام فهو أفضل، وأخرج الطبراني بسند صحيح عن الأغر المزني قال لي أبو بكر: لا يسبقك أحد إلى السلام، والترمذي من حديث أبي أمامة رفعه إن أولى الناس بالله من بدأ بالسلام، وقال: حسن، وأخرج الطبراني من حديث أبي الدرداء قلنا: يا رسول الله إنا نلتقي فأينا يبدأ بالسلام؟ قال: أطوعكم لله، انتهى. كأنه أشار إلى أن محمل هذه الأحاديث هو التساوي، وإليه أشار العيني إذ قال: وإذ تساوى الملاقيان من كل جهة فكل منهما مأمور بالابتداء، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، انتهى، قلت: ويمكن الجمع أيضًا بأن الترتيب هو من الآداب لرعاية الحقوق، فلو بدأ بالسلام من ليس عليه البداية كان أحق بالأجر، لأن الإفشاء فيه مرغوب، وفعله يدل على كونه أحرص على الإفشاء المقصود.