للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحية خصها شعراء العرب وفصحاؤهم بالأموات كما يشهد به أشعارهم، فلا يناسب ذكرها للأحياء، ويمكن أن يقال وإن كان بعيدًا أن عليك السلام تحية الأموات (١) من أهل الجاهلية، فلا يناسب ذكرها في الإسلام لأهله، وإضافة التحية إلى الميت على التوجيه الأول إضافة المصدر إلى مفعوله، وعلى التوجيه الثاني إلى فاعله، أي كان الجاهلية يحيون به فما بينهم وقد ودع الإسلام هذه التحية.

قوله [ثم رد النبي صلى الله عليه وسلم] تأخيره صلى الله عليه وسلم في رده عليه مشعر بأن الرد لم يكن واجبًا (٢) عليه، وإلا لسارع إليه قبل كل شيء، نعلم أن الذي يجب رده هو


(١) وهذا توجهه قريب من التوجيه الأخير في كلام القاري، والمعنى أن الميت جنس يراد به جهلة العرب، فإن الجهلاء أموات حقيقة، وفي المجمع: أراد بالموتى كفار الجاهلية، انتهى.
(٢) والمسألة خلافية، قال النووي: يكره أن يقول المبتدي: عليكم السلام، فإن قاله استحق الجواب على الصحيح المشهور، وقيل: لا يستحق، وحكى ابن عابدين عن الشرنبلالي أنه لا يجب الرد على المبتدي بهذه الصيغة فإنه ما ذكر فيه أنه صلى الله عليه وسلم رد السلام عليه، بل نهاه وهو أحد احتمالات ثلاثة ذكرها النووي، فيترجح كونه ليس سلامًا، وإلا لرد عليه، انتهى.
قلت: لكنه يرد عليه حديث الباب فتأمل، ثم ما أشار إليه المصنف من القصة الطويلة في حديث الباب هي ما في المشكاة برواية أبي داود عن أبي جرى قال: أتيت المدينة، فرأيت رجلاً يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئًا إلا صدروا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله، قال قلت: عليك السلام يا رسول الله مرتين، قال: لا تقل: عليك السلام عليك، السلام تحية الميت، قل: السلام عليك، قلت: أنت رسول الله؟ فقال أنا رسول الله الذي إن أصابك ضر فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنة فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرض قفر أو فلاة نضلت راحلتك فدعوته ردها عليك، قلت: أعهد إلى، قال: لا تسبن أحدًا، قال: فما سببت بعده حرًا ولا عبدًا، ولا بعيرًا ولا شاة، قال: ولا تحقرون شيئًا من المعروف، وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك، إن ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الأزار، فإنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة، وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك، فلا تعيره بما تعلم فيه، فإنما وبال ذلك عليه، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>