للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله [فاستحيي فاستحيى الله منهي يحتمل وجهين (١) أحدهما أن الرجل استحيى أن يشق الصوف ويخطي أعناق الجلوس، أو كره أن يدخل بين اثنين فيؤذيهما، فجلس (٢) خلف الحلقة حياء فلم يدخل بينهم، فمعنى استحيى الله منه جازاه على حيائه، وعلى هذا فأجره أوفر من أجر صاحبه الذي دخل في الحلقة، والوجه الثاني أن يقال: إن الرجل قد كان أخذ في الذهاب، فلما مشى قليلاً أو كاد أن يزول عن موضعه استحيى من الله في أن يترك مجلس نبيه وهو يعظ الناس، أو استحيي من الناس أن يكون جلس معهم، وهم جلوس في مجلس وعظه صلى الله عليه وسلم، واستحياء الله تعالى على هذا التوجيه معناه إثابته وإشراكه في الأجر بصاحبه وترك عقوبته وعدم السخط عليه،


(١) ويؤخذ الاحتمالان معًا من كلام العيني إذ قال: قوله فاستحيا، أي ترك المزاحمة كما فعل رفيقه حياء من النبي صلى الله عليه وسلم ومن حضر، قاله القاضي عياض، ويقال: معناه استحيي من الذهاب عن المجلس كما فعل رفيقه الثالث، ويؤيد هذا المعنى ما جاء في رواية الحاكم: ومضى الثاني، فلبث، ثم جاء فجلس، انتهى. وقال النووي: قوله فاستحيي أي ترك المزاحمة والتخطي حياء من الله تعالى ومن النبي صلى الله عليه وسلم والحاضرين، أو استحياء منهم أن يعرض كما فعل الثالث، فاستحيى الله منه أي رحمه ولم يعذبه، بل غفر ذنوبه، وقيل: جازاه بالثواب، قالوا: ولم يلحقه بدرجة صاحبه الأول، انتهى. قلت: وهذا على المعنى الثاني دون الأول كما أفاده الشيخ، وهو ظاهر.
(٢) وبوب البخاري في صحيحه على هذا الحديث «باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها» قال الحافظ: فيه استحباب الأدب في مجالس العلم، وفضل سد خلل الحلقة، وجواز التخطي لسد الخلل ما لم يؤذ أحدًا، فإن خشي استجب الجلوس حيث ينتهي كما فعل الثاني، وفيه الثناء على من زاحم في طلب الخير، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>