للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>


أو لا يعرفه، أو لا يثق به ويخشى منه، قال: وقد روى في ذلك أثر يعني ما أخرج أحمد بسنده إلى عبد الله بن عمرو رفعه: لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة أن يتناجى اثنان دون صاحبهما، وفي سنده ابن لهيعة، وعلى تقدير ثبوته فتقييده بأرض الفلاة يتعلق بإحدى علتي النهي، وهي توهم أنهما يتفقان على غائلة تحصل له منهما، وأحاديث الإطلاق تتعلق بالعلل الآخر، قال ابن العربي: الخبر عام اللفظ والمعنى والعلة الحزن موجودة في السفر والحضر فوجب أن يعمهما النهي جميعًا، والرابع أن ذكر الاثنين في أحاديث الباب ليس احترازًا، بل المنهي عنه ترك واحد، وقد نقل ابن بطال عن أشهب عن مالك: لا يتناجى ثلاثة دون واحد ولا عشرة لأنه نهى أن يترك واحد، وقال المازري ومن تبعه: لا فرق في المعنى بين الاثنين والجماعة لوجود المعنى في حق الواحد، قال القرطبي: بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأشد، فليكن المنع أولى، وإنما خص الثلاثة بالذكر لأنه أول عدد يتصور فيه ذلك المعنى، قال ابن بطال: وكلما كثر الجماعة كان أبعد لحصول الحزن، ووجود التهمة، فيكون أولى، والخامس ما قال الحافظ: ويستثنى من هذا الحكم ما إذا إذن من يبقى، فإن المنع يرتفع لكونه حق من يبقى، وقال النووي: النهي في الحديث للتحريم إذا كان بغير رضاه، وقال في موضع آخر: إلا بإذنه، أي صريحًا كان أو غير صريح، والإذن أخص من الرضا، لأن الرضا قد يعلم بالقرينة، فيكتفي بها عن التصريح، والرضا أخص من الإذن من وجه آخر لأن الإذن قد يقع مع الإكراه ونحوه، والرضا لا يطلع على حقيقته، لكن الحكم لا يناط إلا بالإذن الدال على الرضا، هكذا في الفتح، وفيه أن الرضا كما يعلم بالقرينة فكذلك الإذن، نعم لو قيل: إن الرضاء قد يحصل لكن لا يقدر على الإذن لعارض كمنع رجل كبير له بالإذن لكان له وجه، فتأمل. والسادس ما قال الحافظ أيضًا: إذا انتجى اثنان ابتداء وثم ثالث بحيث لا يسمع كلامهما لو تكلما جهرًا فأتى ليستمع عليهما فلا يجوز، كما لو لم يكن حاضرًا معهما، وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد من رواية سعيد المقبري، قال: مررت على ابن عمر ومعه رجل يتحدث فقمت إليهما، فلطم صدري وقال: إذا وجدت اثنين يتحدثان فلا تقم معهما حتى تستأذنهما، زاد أحمد في روايته من وجه آخر عن سعيد، قال: أما سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا تناجى اثنان، قال ابن عبد البر: لا يجوز لأحد أن يدخل على المتناجين في حال تناجيهما، انتهى. والسابع ما تقدم عن النووي أن النهي للتحريم. وهكذا حكاه عنه القارئ إذ قال: قال النووي: وهذا النهي عن تناجي اثنين بحضرة ثالث، وكذا ثلاثة وأكثر بحضرة واحد نهى تحريم، فيحرم على الجماعة المناجاة دون واحد منهم إلا بإذنه، وهو مذهب ابن عمر ومالك وأصحابنا وجماهير العلماء، وهو عام في كل الأزمان سفرًا وحضرًا، انتهى. وفي المسوى لشيخ مشايخنا الدهلوي أن النهي نهى تأديب، انتهى. وقريب منه ما في إنجاح الحاجة من أنه بعيد عن شأن المسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>