للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا يؤثر (١) فيهم ما لا يؤثر فيهم غيره، كأن هذا القول يوجب له أجرًا ومحمدة افتنهاه يا عمر عن مجاهدة في سبيل الله، ثم يستشكل مبادرة عمر رضي الله عنه بالحكم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مع أن الأمر لو كان محظورًا لنهاه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه النفيسة، والجواب أن عمر رضي الله عنه كان يعلم من عادة (٢) النبي صلى الله عليه وسلم سكوته على ما لا يرضاه رجاء أن يمنعه غيره لحكم ومصالح، منها أن يشترك الآمر في الأجر، ومنها أن المأمور لو كره أمر النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه -والعياذ بالله- كان أضر له بدينه من أن يكره أمر غيره ونهيه، ومنها أن لا يواجه النبي صلى الله عليه وسلم بما يسوءه مع أن الغرض وهو ترك المأمور المحظور ممكن الحصول بدونه، وإلا فكيف يتصور سكوته صلى الله عليه وسلم على معصية وخلاف.


(١) ففي المشكاة برواية شرح السنة عن كعب بن مالك أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى قد أنزل في الشعر ما أنزل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأنما ترمونهم به نضح النبل، وفي الاستيعاب لابن عبد البر: أنه قال يا رسول الله! ماذا ترى في الشعر؟ فقال: إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، وبرواية مسلم عن عائشة: إن رسول صلى الله عليه وسلم قال: اهجوا قريشًا، فإنه أشد عليهم من رشق النبل.
(٢) وهذا من صفاته المعروفة صلى الله عليه وسلم، فقد روى القاضي بسنده إلى أبي سعيد الخدري قال: كان صلى الله عليه وسلم لطيف البشرة رقيق الظاهر، لا يشافه أحدًا بما يكرهه حياء وكرم نفس، وعن عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن أحد ما يكرهه لم يقل: ما بال فلان يقول كذا وكذا؟ ولكن يقول: مال بال أقوام يصنعون أو يقولون كذا، ينهي عنه ولا يسمى فاعله، وروى عن أنس أنه دخل عليه رجل به أثر صفرة فلم يقل له شيئًا، وكان لا يواجه أحدًا بما يكره، فلما خرج قال: لو قلتم له يغسل هذا، وفي الباب روايات كثيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>