للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله [وإنه كاد أن يبطئ بها] فإن الأمر إما مطلق أو مؤقت والتأخير في الأول لا يوجب مذمة ولا يعد المأمور به قاضيًا، وفي الثاني عصيان والمأمور بالتأخير فيه يعد قاضيًا، والأمر ليحيى عليه السلام لعله كان من قبيل الثاني، فلذلك صح قوله: كاد أن يبطئ بها، وعيسى عليه السلام لم يكن بعد أوحى إليه كتاب، فلا يشكل أنه كيف أمر يحيى مع وجود عيسى، وكيف ساغ لعيسى عليه السلام أن يطلب نيابة من الذي هو دونه، لأنهما (١) كانا مساويين إذًا، وفي قوله: ((أخشى إن سبقتني بها)) إشارة إلى جواز الخلف في الوعد وامتنع لغيره، فإن العذاب في حق الأنبياء لو استحال لذاته لم يكن لخشيته عليه السلام معنى.

قوله [فامتلأ وقعدوا على الشرف (٢)] يمكن أن يستنبط من ها هنا أن الإمام إذا كان من أسفل وصار بعض القوم في موضع عال منه جاز عند الضرورة والزحمة، فإن قوم عيسى لما ارتفعوا على الشرف بعد امتلاء بيت المقدس لم ينكر عليهم ذلك (٣).

قوله [فقال] أي قال قائل وهو (٤) الصدقة ها هنا، فإن الصدقة تطفئ


(١) علة لقوله: لا يشكل، يعني لم يكن يحيى دونه، بل كانا مساويين.
(٢) قال المجد: الشرف محركة العلو والمكان العالي، وشرفة القصر معروف والجمع شرف، انتهى. وفي لغات الصراح: الشرفة كمنكره جمعه الشرف.
(٣) مع كونه عليه السلام نبيًا، فجواز التفوق على الإمام يثبت بالأولى، والقصة وإن لم تكن في الصلاة لكن العلة وهي الازدراء بالإمام مشتركة فإن قدر الإمام ليس بأجل من قدر النبي.
(٤) فإن الصدقة هي التي فدت نفسها المتصدق الأسير، وهذا هو الظاهر من سياق الترمذي، والحديث ذكره ابن الأثير في أسد الغابة بتغير يسير في بعض الألفاظ، ولفظه في أمر الصدقة: إنما مثل ذلك مثل رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، فقال: دعوني أفد نفسي منكم فجعل يعطيهم القليل والكثير حتى يفدي نفسه، الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>