للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غضب الرب، ولا يرد البلاء إلا الصدقة والدعاء، واتقوا النار ولو بشق تمرة.

قوله [السمع والطاعة] لما كان النبي صلى الله عليه وسلم أوتى جوامع الكلم بين في هذين اللفظين ما يربو كثيرًا على الخمس التي بينه يحيى عليه السلام، فإن السمع شامل لسمع أمر الله سبحانه وأنبيائه ونوابهم إلى يوم القيامة، فكأن المعنى إني آمركم أن تسمعوا أمر كل من أمركم موافقًا لأمر الله ورسوله ولو مباحًا، لو أميرًا (١) عليكم في كل ما لا يحصى تفاصيله، ثم إن السمع البحت لما لم يفد فقد قال قوم ممن سمع: سمعنا وعصينا، أردف السمع بالطاعة، فشمل ما في الشريعة من الأركان والعادات، والسنن والطاعات، وكرائم الأخلاق والحسنات، فلله دره، ثم إنه خص منه بعض ما اهتم به فقال:

[والجهاد والهجرة] وهما مثل الأولين يشملان معاني لا تحصى، وفي تخصيص الأمر بموافقة الجماعة مزيد اهتمام بها فإن التأسي بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو ملاك الأمر وسنام العمل.

قوله [ومن أدعى دعوى الجاهلية] علاوة على الخمس التي وعد بها، وليس شيئًا يباين ما سبق، فإن كلا من السمع والطاعة والجماعة يشمله إلا أنه فصله وبينه لما رأى ابتلاءهم بذلك، والمراد بدعوى الجاهلية يمكن أن يعم بحيث يصدق على كل ما خالف الشرع من الأمور، وإن يخص (٢) بما اعتاده أهل


(١) أي لو كان الآمر أميرًا عليكم، والظرف في قوله: في كل ما لا يحصى متعلق للفعل في قوله تسمعوا، أو المصدر في قوله: لسمع أمر الله.
(٢) قلت: ولا يبعد أن يخص بما ذكر الحافظ برواية مسلم وابن حبان وغيرهما من طريق أبان بن يزيد وغيره، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام، عن أبي مالك الأشعري مرفوعًا بلفظ: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالأنواء، والنياحة، انتهى. فإن سند هذا الحديث يوافق سند حديث الباب فأولى أن يفسر به.

<<  <  ج: ص:  >  >>