للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كانت ليست بذاك (١) لما ورد (٢) لها من المتابعات والشواهد، وهي


(١) هو من ألفاظ التضعيف، يعني والرواية المذكورة وإن كانت ضعيفة حتى أوردها ابن الجوزي في الموضوعات وأعلها بكنانة، فإنه منكر الحديث جدًا، ورد عليه الحافظ في مؤلف سماه ((قوة الحجاج في عموم المغفرة للحجاج)) قال فيه: حكم ابن الجوزي على هذا الحديث بأنه موضوع مردود قال الذي ذكره لا ينتهض دليلاً على كونه موضوعًا، وقد اختلف قول ابن حبان في كنانة فذكره في الثقات، وذكره في الضعفاء، وذكر ابن مندة أنه قيل: إن له رؤية من النبي صلى الله عليه وسلم، وولده عبد الله فيه كلام ابن حبان أيضًا، وكل ذلك لا يقتضي الحكم بالوضع، بل غايته أن يكون ضعيفًا، ويعتضد بكثرة طرقه، انتهى. وفي الدر المختار: حديث ابن ماجة ضعيف، وفي الدراية. أشار ابن حبان في ترجمة كنانة من الضعفاء إلى ضعف هذا الحديث، وقال البخاري: لا يصح، انتهى.
(٢) دليل لقوله: استدلوا، يعني أن الحديث وإن كان ضعيفًا لكنهم استدلوا بذلك لما له من المتابعات والشواهد، ففي ((إنجاح الحاجة)) بعد ما تقدم من قول الحافظ رادًا على ابن الجوزي: وكل ذلك لا يقتضي الحكم بالوضع، بل غايته أن يكون ضعيفًا ويعتضد بكثرة الطرق، وهو بمفرده يدخل في حد الحسن على رأي الترمذي، ولا سيما بالنظر في مجموع طرقه، وقد أخرج أبو داؤد طرفًا منه وسكت عليه، فهو صامح عنده، وأخرجه الحافظ غياث الدين المقدسي في الأحاديث المختارة ما ليس في الصحيحين، وقال البيهقي بعد أن أخرجه في شعب الإيمان: هذا الحديث له شواهد كثيرة قد ذكرناها في كتاب البعث، فإن صح شواهده ففيه الحجة، وإن لم يصح فقد قال الله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وظلم بعض بعضًا دون الشرك، وقد جاء لهذا الحديث شواهد في أحاديث صحاح، انتهى. وفي ((القول المسدد)): قد وجدت له شاهدًا قويًا أخرجه أبو جعفر بن جرير في التفسير من طريق عبد العزيز بن أبي داؤد عن نافع عن ابن عمر، فساق حديثًا فيه المعنى المقصود من حديث العباس، وهو غفران جميع الذنوب لمن شهد الموقف، وأورد ابن الجوزي الطريق المذكورة أيضًا، وأعلها ببشار بن بكير الحنفي راويها عن عبد العزيز فقال: إنه مجهول، قال الحافظ: ولم أجد للمتقدمين فيه كلامًا، وقد تابعه عبد الرحيم بن هاني الغساني، فرواه عن عبد العزيز نحوه، وهو عند الحسن بن سفيان في مسنده، فالحديث على هذا قوي لأن عبد الله بن كنانة لم يتهم بالكذب، وقد روى حديثه من وجه آخر، وليس ما رواه شاذًا، فهو على شرط الحسن عند الترمذي، ثم وجدت له طريقًا أخرى من وجه آخر بلفظ آخر، وفيه المعنى المقصود، وهو عموم المغفرة لمن شهد الموقف، أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، ومن طريقه أخرجه الطبراني في معجمه عن إسحاق بن إبراهيم الدبري عنه عن معمر عمن سمع قتادة يقول: حدثنا خلاس بن عمرو، عن عبادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة: أيها الناس إن الله عز وجل قد تطول عليكم في هذا اليوم، فغفر لكم إلا التبعات فيما بينكم، فلما كان يجمع قال: إن الله غفر لصالحيكم وشفع صالحيكم في طالحيكم، الحديث. رجاله ثقات إثبات معروفون إلا الواسطة بين معمر وقتادة، ومعمر قد سمع عن قتادة غير هذا، لكن بين ها هنا أنه لم يسمعه إلا بواسطة، لكن إذا انضمت هذه الطريق إلى حديث ابن عمر عرف أن لحديث عباس بن مرداس أصلاً، ثم وجدت لأصل الحديث طريقًا أخرى أخرجها ابن مندة في الصحابة من طريق ابن أبي فديك عن صالح بن عبد الله بن صالح عن عبد الرحمن بن عبد الله بن زيد عن أبيه، عن جده زيد، قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم عشية عرفة فقال: يا أيها الناس! إن الله قد تطول عليكم في يومكم هذا، فوهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، وغفر لكم ما كان منكم، وفي رواة هذا الحديث من لا يعرف حاله، إلا أن كثرة الطرق إذا اختلفت المخارج تزيد المتن قوة، انتهى كلام الحافظ. وفي ((التعقبات على الموضوعات)) للسيوطي: حديث العباس أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد؟ ؟ ؟ ، وابن ماجة والبيهقي في سننه، وصححه الضياء المقدسي في المختارة، وأبو داؤد طرفًا منه، وسكت عليه، فهو عنده صالح، وقال البيهقي: له شواهد كثيرة، وحديث ابن عمر أخرجه ابن جرير في تفسيره، والحسن بن سفيان في مسنده، وأبو نعيم في الحلية، وحديث عبادة أخرجه عبد الرزاق في مسنده، والطبراني في الكبير، ورجاله ثقات إلا أن فيه مبهمًا لم يسم، فإن كان ثقة فهو على شرط الصحيح، وإن كان ضعيفًا فهو عاضد للمسند المذكور، وقد ورد الحديث من حديث أنس أخرجه ابن منيع وأبو يعلى في مسنديها، وزيد جد عبد الرحمن أخرجه ابن مندة في الصحابة، وله شاهد مرسل أخرجه مسدد في مسنده ورجاله ثقات، انتهى. قال ابن عابدين: والحاصل أن حديث ابن ماجة وإن ضعف فله شواهد تصححه، والآية تؤيده، ومما يشهد له أيضًا حديث البخاري مرفوعًا: من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وحديث مسلم مرفوعًا: إن الإسلام يهدم ما كان قبله، وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وإن الحج يهدم ما كان قبله، لكن قال الأكمل: إن الهجرة والحج لا يكفران المظالم، إلى آخره. قلت: = وسيأتي من الشواهد الدالة على عموم الغفران قريبًا، وقاله القسطلاني في حديث البخاري مرفوعًا: من حج لله فلم يرفث، الحديث: هو يشمل الصغائر والكبائر والتبعات، قال الحافظ ابن حجر وهو من أقوى الشواهد لحديث العباس بن مرداس المصرح بذلك، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>