العلوم والمعارف تنعكس على قلبه الأطهر من مشكاته عليه السلام فإذا خاض في بحار معاني الحديث والآيات تشاهد كأن الكلمات والجمل تصدر من حضرة الرسالة عليه الصلاة والسلام وذلك فضل الله ليس يجحد، ومن ههنا كان الحضار لمجلس التحديث يزدادون شغفًا ومحوًا لدى تكلمه وإفادته فلم يكادوا أن يقنعوا بسكوته في تلك المجالس الذكية وكانوا يشتاقون إلى جريانه في أساليب الكلام وتقدير السنن وتحقيق المسائل، ولعل هذا السر هو الذي أحدث وجود جذبات العمل بالسنة في تلاميذه فوق ما يوجد في عامة طلبة العلم وكان رحمه الله تعالى يهتم جدًا لتطبيق الأحاديث المختلفة بادي الرأي، وجل توجهه إنما كان إلى الدراية وفقه الروايات لأسرد متون الروايات فقط، كما هو دأب عامة المحدثين في الأزمنة المتأخرة وكانت الأنوار والبركات المعنوية والسكينة القلبية تسكب هطالة على قلوب المسترشدين والتلامذة يشاهدها أرباب البصائر والقلوب، وكان رحمه الله تعالى في ابتداء الأمر يشتغل بتدريس الفقه والأصول والتفسير أيضًا علاوة على الحديث، ولكنه اقتصر في أواخر عمره، على تدريس الحديث فقط، وكانت الأمهات الست تبتدئ عليه في أوائل شوال، وتختم إلى أواخر شعبان، فجرت هذه الوتيرة نحوًا من عشرين سنة وتخرج عليه في هذه المدة ما ينوف من ثمان مائة رجل من الفضلاء والأذكياء.
ثم عاقه رحمه الله تعالى عن هذا الاشتغال تواتر الآلام والبلايا، كما هو سنة الله في المقربين، فإن أشد الناس بلاءًا الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، وكذلك تكاثرت عليه الفتاوى من سائر الأقطار والبلاد وهجمت على أعتابه العلية ظمأي المعارف الروحانية وعطشى شراب القرب والمرضاة الربانية وقصاد النسبة الإلهية فأشغلته عما كان بصدده من عنفوان شبابه فقصد أن يترك الاشتغال بالتدريس والأسماع ورأى أن الأهم حينئذ غيره مما ذكر آنفًا، وكان سيدي الوالد حضرة مولاي وسندي وملجائي وملاذي ووسيلتي في الدارين مولانا محمد يحيى الكاندهلوي -قدس الله سره العزيز- بعد فراغه عن سائر الكتب الدراسية النظامية مجتنبًا عن