قراءة الحديث ظنًا منه أن الاشتغال به عند غير الماهر المتقن المتضلع بالعلوم العقلية والنقلية المتكمل للآلات والمقاصد مقدمة لسوء الظن بالأئمة المجتهدين بل مرادف لترك تقليد هؤلاء الكرام، شموس الهدى ومصابيح الظلام.
فقد جرب غير مرة أن أهل الزمان لم يستفيدوا بمثل هذا إلا اللعن على أوائل الأمة، والطعن عن منار الهدى والأئمة، والسب والشتم للأخلاف، والعناد والبغض بالأسلاف، فالأحرى أن لا يشتغل والحالة هذه بعلم الحديث وحديث إنه رحمه الله تعالى كان قرأ سائر الفنون والكتب في مدرسة حسين بخش المرحوم الواقعة بدهلي، المشهورة إذ ذاك بحسن التعليم والتدريس وكمال النظام، فلما حان اختتام بعض السنين أعلن أراكين المدرسة بأسامي من يعطي له حسب العادة سند الفراغ والعمامة في تلك السنة بعد الامتحان في الكتب الانتهائية، فأعلنوا اسم سيدي الوالد المرحوم في جملة من يمتحن في صحيح البخاري، وحيث إن سيدي الوالد المرحوم كان مصرًا على عزمه المذكور آنفًا، فلم يحضر في شيء من كتب الحديث بالمدرسة ولا غيرها، ولم يقرأ منها إلى تلك الساعة ولا سطرًا فشدد النكير على أراكين المدرسة على إعلان اسمه وأبي كل الآباء عن قراءة الحديث والامتحان في كتبها وأولئك كانوا يصرون على امتحانه والقراءة لما يعرفون من ذكاوته فقالوا إن المدة الواقعة بين الإعلان والامتحان طويلة تنوف عن خمسة أشهر فيسهل لك فيها أن تفرغ عن قراءة الجامع الصحيح البخاري، بل وعن سائر الصحاح الستة فلم يلق بالاً لمقترحهم.
ولما رأوا أنه لا يواتيهم على مقصودهم رفعوا الأمر إلى سيدي الجد المرحوم أعنى مولائي الحافظ محمد إسماعيل -قدس الله سره العزيز- وألحوا عليه إلحاحًا غير معتاد وطلبوا منه أن يأمر ولده سيدي الوالد المؤمى إليه آنفًا أمر إيجاب بإسعاف ما يراد فقبل حضرة الجد المرحوم بغيتهم وحكم على سيد الوالدي المرحوم