حكمًا باتًا بإتيان ما يطلبون فلم يجد بدًا عن الإسعاف فأراد أن يشترك الامتحان بالمطالعة فقط، بدون أن يقرأ الكتاب لدى أحد من مدرسي المدرسة ففرغ نفسه لمطالعة صحيح البخاري وحواشيه والشروح، واختلى عن الناس في حجرة ذات بابين بمسجد سلطان نظام الدين المرحوم، وكان أحد البابين ينفتح إلى مسجد، والآخر إلى الصحراء، فأما الأول فكان يغلقه على نفسه دائمًا، ويفتحه للصلوات لدى تكبيرة الافتتاح، ويحضر الجماعة ثم يغلق ولا يأتي بالرواتب وغيرها إلا بالحجرة، وأما الثاني: فكان مفتوحًا دائمًا لتلاميذ الجد المرحوم، الذين كانوا موظفين بإحضار الطعام والحوائج الآخر، فكانوا يضعونها في أمكنتها المعينة فمضى على هذه الحالة زمان طويل لا يدري أهل المحلة بوجوده هناك.
ومن غرائب ما وقع في تلك الأيام، أنه جاء التلغراف من كاندهلة، طلبًا لقدومه إليها للنكاح، فردوه قائلين: إنه ليس بموجود ههنا منذ مدة مديدة، وكان -رحمه الله تعالى- لدى مطالعة صحيح البخاري وحواشيه وشروحه، يطالع ((سيرة ابن هشام، و ((معاني الآثار)) للطحاوي، و ((الهداية)) و ((فتح القدير)) فاستوعبها، بغاية الدقة والإمعان، فلم يأت أيام الامتحان، إلا وقد فرغ من هذه الكتب جملتها، وعلق في صدره سائر المضامين المندرجة فيها بغاية الإتقان، فكان من ثمرات ذلك أن حضرة الممتحن أعنى صدر الأفاضل، فخر الأكابر والأماثل، مولانا خليل أحمد الأنصاري صدر المدرسين بمظاهر العلوم، وشارح أبي داؤد، لما امتحنه واطلع على أجوبته فرح جدًا، وقال: إن كثيرًا من علماء الزمان والمدرسين لا يقدرون أن يكتبوا مثل هذه الأجوبة، وأطرى في مدحه بين الناس جدًا.
ثم ذهب إلى أمير المؤمنين في الحديث حضرة القطب الكنكوهي قدس سره المؤمى إليه سابقًا، فمدح الوالد لدى حضرته وأبدى أن حسن قابليته للعلوم الدينية حفظًا وفهمًا من عجائب الزمن، فمثله لا ينهر عن الأنهار، ولا يزجر عن