للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيان للضمير (١) في تركه، أو المعنى لأجل كونه جبارًا، أو من تركه للخلق الذي في التارك، وهو صفة الجبارية فيه.

قوله [وهو حبل الله المتين] أي الوصلة (٢) القوية بينه وبين عباده قوله [لا تزيغ به الأهواء] أي لا تزيغ (٣) الأهواء إذا تليت بالقرآن يعني من خالط هواه حب القرآن واتبه لا يزيغ.


(١) أي الضمير المرفوع الراجع إلى من، قال القاري: بين التارك بمن جبار ليدل على أن الحامل له على الترك إنما هو التجبر والحماقة، وقال الطيبي: من ترك العمل بآية أو بكلمة من القرآن مما يجب العمل به أو ترك قراءتهما من التكبر كفر، ومن تركه عجزًا وضعفًا مع اعتقاد تعظيمه فلا اثم عليه، أي بترك القراءة ولكنه محروم، انتهى.
(٢) قال القاري: الحبل مستعار للوصل، ولكل ما يتوصل به إلى شيء، أي الوسيلة القوية إلى معرفة ربه وسعادة قربه، وهو مقتبس من قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عمران: ١٠٣].
(٣) قال القاري: لا تزيغ بالتأنيث والتذكير أي لا تميل عن الحق به، أي باتباعه الأهواء أي الهوى إذا وافق هذا الهدى حفظ من الردى، وقيل: معناه لا يصير به مبتدعًا ضالًا، لا يقال: قبل للشيخ أبي إسحاق الكازروني: إن أهل البدعة أيضًا يستدلون بالقرآن كما أهل السنة يحتجون به، فقال: قال تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} [البقرة: ٢٦]، لأنا نقول: سبب الإضلال عدم الاستدلال به على وجه الكمال، فإن أهل الأهواء تركوا الأحاديث النبوية التي هي مبينة للمقاصد القرآنية، ولذا قال جنيد: من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدي به، ومن دخل في طريقتنا بغير علم، واستمر قانعًا بجهله، فهو ضحكة للشيطان مسخرة له، وقال الطيبي: أي لا يقدر أهل الأهواء على تبديله وتغييره وإمالته، فهو إشارة إلى وقوع تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فالباء لتعدية، وقيل: الرواية من الإزاغة بمعنى الإمالة، والباء لتأكيد التعدية، انتهى. قلت: هذا هو الظاهر، ولا يرد عليه إشكال، وما أفاده الشيخ دقيق ولطيف، ومعنى قوله: إذا تليت بالقرآن أي إذا اتبعت الأهواء القرآن يعني تكون الأهواء تبعًا للقرآن، فيكون الحديث بمعنى ما في المشكاة برواية شرح السنة عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>