أو على جماعة غير المصريين فضالة، وليس المراد جماعة الروم كما يوهمه المقابلة.
قوله [فقال يا أيها الناس إنكم إلخ] لما زعم هؤلاء القائلون قوله تعالى: {ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ} عامًا في كل من جر على نفسه حتفًا سواء كان بعد منفعة دينية أو غيرها، رد عليهم مقالتهم تلك، وقال ما حاصله: إن إقامتنا في أموالنا بحيث نترك الغزو والجهاد كان إلقاء الأنفس في التهلكة، فكلما كان هذا شأنه كان مصداقًا للآية ومنهيًا عنه بها، وأما من أهلك نفسه ليعلى كلمة الله، أو ليهلك عدوه، أو يصيب فيهم نكاية، فليس مما زعمتم، وهذا الرجل كان كذلك، فإنه لما دخل فيهم، ووطن نفسه على الموت، فأي بلاء لا يصيبها عليهم، وإذا كان موته بعد إنكائهم أو قتل أحد منهم أو جرح بعضهم لم يكن من هذا القبيل، لأن ذلك أهيب لهم، فإنهم يستدلون بذلك على شدة رغبة أهل الإسلام على الموت فيلقاهم الخور والجبن، فاندفع بذلك ما كانوا يزعمون أنه يموت ميتة حرمة، وهذا الذي اختاره أهل العلم (١) من أن الرجل إذا ألقى نفسه بحيث يستيقن فيه قتله يساغ له ذلك إذا كان ذلك يجلب منفعة دينية معتدة بها.
(١) ففي الشامي عن شرح السير: لا بأس أن يحمل الرجل وحده وغن ظن أنه يقتل إذا كان يصنع شيئًا بقتل أو بجرح أو بهزم، فقد فعل ذلك جماعة من الصحابة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومدحهم على ذلك، فأما إذا علم أنه لا ينكى فيهم فلا يحل له أن يحمل عليهم، لأنه لا يحصل= =بحملته شيء من إعزاز الدين، بخلاف نهى فسقة المسلمين عن منكر إذا علم أنهم لا يمتنعون بل يقتلونه، فإنه لا بأس بالإقدام، وإن رخص له السكوت، لأن المسلمين يعتقدون ما يأمرهم به، فلابد أن يكون فعله مؤثراً في باطنهم بخلاف الكفار، انتهى.