للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في المروحة. قوله [فنزلت هذه الآية بعدها فنسختها إلخ] هذا نسخ بحسب (١) اصطلاح المحدثين، فإنهم يسمون كل تخصيص وتفسير وبيان إلى غير ذلك نسخًا، فإن الآية الأولى وهي قوله تعالى: {إن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} الآية ليس بشامل هواجس النفس وخطراتها حتى ينسخ ذلك بالآية الثانية، بل المراد بما تخفوه هو المرتبة المسماة بالعزم (٢) الذي يؤاخذ العبد عليها كما أن يكمن


(١) قال صاحب المدارك: المحققون على أن النسخ يكون في الأحكام لا في الأخبار، وقال الحافظ: المراد بقوله نسختها، أي أزالت ما تضمنته من الشدة، وبينت أنه وإن وقعت المحاسبة به، لكنها لا تقع المؤاخذة به، أشار إلى ذلك الطبري فراراً من إثبات دخول النسخ في الأخبار، وأجيب بأنه وإن كان خبراً لكنه يتضمن حكمًا، ومهما كان من الأخبار يتضمن الأحكام أمكن دخول النسخ فيه كسائر الأحكام، وإنما الذي لا يدخله النسخ من الأخبار ما كان خبراً محضًا لا يتضمن حكمًا، كالأخبار عما مضى من أحاديث الأمم، ونحو ذلك، ويحتمل أن يكون المراد بالنسخ في الحديث التخصيص، فإن المتقدمين يطلقون لفظ النسخ عليه كثيراً، والمراد بالمحاسبة بما يخفي الإنسان ما يصمم عليه ويشرع فيه، دون ما يخطر له ولا يستمر عليه، انتهى.
(٢) قال صاحب المدارك: لا تدخل الوساوس وحديث النفس فيما يخفيه الإنسان، لأن ذلك مما ليس في وسعه الخلو منه، لكن ما اعتقده عزم عليه، والحاصل أن عزم الكفر كفر، وخطرة الذنوب من غير عزم معفوة، وعزم الذنوب إذا ندم عليه ورجع عنه واستغفر منه مغفور، فأما إذا= =هم بسيئة وهو ثابت على ذلك إلا أنه منع عنه بمانع ليس باختياره، فإنه لا يعاقب على ذلك عقوبة فعله، أي بالعزم على الزنا لا يعاقب عقوبة الزنا، وهل يعاقب عقوبة عزم الزنا؟ قيل: لا، لقوله عليه الصلاة والسلام: إن الله عفا عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به، والجمهور على أن الحديث في الخطرة دون العزم، وأن المؤاخذة في العزم ثابتة، وإليه مال الشيخ أبو منصور وشمس الأئمة الحلواني، والدليل عليه قوله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ} الآية، وعن عائشة: ما هم العبد بالمعصية من غير عمل يعاقب على ذلك بما يلحقه من الهم والحزن في الدنيا، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>