للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالنار، استشكل عليه الأمر فإن أكثر الناس ممن لا يشك في ورعه وزهده يصدق عليه أنه يفرح بما يأتيه من الصلاة والصوم، وغير ذلك من أعمال الليل واليوم، ولو مدحه أحد بما ليس فيه من الجميل فلا شك أنه يحب هذه المدحة، وإن كان يلوم نفسه على خلوه عن هذه الخصلة، ولكن جواب الحبر عبد الله بن عباس ظاهره لا يوافق ما قلنا من أن العبرة لعموم الألفاظ، فإنه لم يجب إلا بأن الآية ما لها وما لكم فإنها نزلت في اليهود، أفترى الجواب إلا تخصيص الآية بمورد نزولها ولا يصح، فتفصيل جواب ابن عباس رضي الله عنهما أن الآية وإن كانت عامة إلا أنها لا تتناول إلا الأفراد التي تساوي موضع نزولها إلا ما هي دونه، فإن تعقيب جزاء على جناية، وترتيب عقاب على معصية، لا توجب ثبوت تلك الجزاء بعينها لمن ارتكب معصية دون المعصية التي ترتب عليها العقاب، فإن الشرط في تعدية الحكم إلى غير المنصوص عليه أن لا يكون دونه، ولا شك أن فرح اليهود بما فعله كان فرحًا على معصية وكبيرة وهو تغرير النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك إحبابهم الحمد بما لم يفعلوا كان من أعظم جناية، فإنهم كتموا ما أخذ عليهم الميثاق بأن لا يكتموه، ثم أحبوا أ، يحمدوا على ذلك، فالمواضع التي سأل عنها مروان ليست داخلة (١)


(١) ويؤيد ذلك ما ذكر السيوطي في تفسير هذه الآية: أخرج مالك وابن سعد والبيهقي في الدلائل عن محمد بن ثابت بن قيس قال: يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت، قال: لم؟ قال: نهانا الله أن نحب أن نحمد بما لم نفعل، وأجدني أحب الحمد، الحديث. وفي آخره: فقال: يا ثابت ألا ترضى أن تعيش حميداً وتقتل شهيداً وتدخل الجنة، فعاش حميداً وقتل شهيداً يوم مسيلمة الكذاب، انتهى. قلت: وفي حديث ابن الحنظلية الطويل عند أبي داؤد: قال له أبو الدرداء كلمة تنفعنا ولا يضرك. قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فقدمت فجاء رجل منهم= =فقال لرجل إلى جنبه: لو رأيتنا حين التقينا نحن والعدو فحمل فلان فطعن فقال: خذها مني وأنا الغلام الغفاري، كيف ترى في قوله؟ قال: ما أراه إلا قد بطل أجره، فسمع بذلك آخر فقال، ما أرى بذلك بأسًا، فتنازعًا حتى سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سبحان الله لا بأس أن يؤجر ويحمد. الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>