(٢) أعلم أولا أنهم اختلفوا في سبب نزول هذه الآيات على أقوال بسطها المفسرون، قال الخازن قيل: نزلت في الذين تخلفوا يوم أحد من المنافقين ذك ذكر حديث الباب برواية الشيخين، ثم قال وقيل: نزلت في قوم خرجوا إلى المدينة وأسلموا، ثم استأذنوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الخروج إلى مكة ليأتوا ببضائع، فخرجوا وأقاموا بمكة، فاختلف فيهم المسلمون، وقيل: نزلت في ناس من قريش قدموا المدينة واسلوا، ثم ندموا على ذلك فخرجوا كهيئة المنتزهين، فلما بعدوا عن المدينة كتبوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنا على الذي فارقناك عليه من الإيمان، ولكنا اجتوينا المدينة، ثم خرجوا إلى الشام، وقيل: نزلت في قوم أسلموا بمكة ولم يهاجروا وكانوا يظاهرون المشركين، وقيل: نزلت في عبد الله بن أبي المنافق لما تكلم في حديث آلافك، انتهى. قال صاحب البحر المحيط: وما كان من هذه الأقوال يتضمن كونهم بالمدينة يرده قوله تعالى: {حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} إلا إن حملت المهاجرة على هجرة ما نهى الله عنه، انتهى. واختار السيوطي في الجلالين الأول إذا قال: ولما رجع الناس من أحد اختلف الناس فيهم فنزل، قال صاحب الجمل: يعني لما رجع ناس من المنافقين اختلفت الصحابة فيهم، فقال بعضهم: اقتلهم يا رسول الله للأمارة الدالة على كفرهم، وقال فريق: لا تقتلهم لنطقهم بالشهادتين، والعتاب في الحقيقة للفريق الثاني القاتل لا تقتلهم، والمراد بالهجرة هاهنا الخروج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للقتال في سبيله مخلصين صابرين محسبين، والهجرة على ثلاثة أوجه: هجرة للمؤمنين في أول الإسلام، وهجرة المنافقين وهي خروج الشخص مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صابراً محتسباً، وهي المادة هاهنا وهجرة عن جميع المعاصي، كما قال عليه الصلاة: المهاجر من هجر ما نهى الله عنه، انتهى مختصراً.