(٢) يعني على ما بسط قبل ذلك من أن خصم الزيير كان مؤمناً أنصارياً حمله الغضب أو التوهم على ذلك، وأما عل ما قيل: إنه كان منافقاً فنفى الإيمان على ظاهره، وهذا كله إذا كان سبب نزول الآية هذه القصة، وقال الحافظ في الفتح بعد ما ذكر من قال بنزولها فيها: وجزم مجاهد والشعبي بأن الآية إنما نزلت فيمن نزلت فيه الآية التي قبلها، وهي قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} الآية. فزودي إسحاق بن راهويه في تفسيره بإسناد صحيح عن الشعبي قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة، فدعا اليهودي المنافق إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة، ودعا المنافق اليهودي إلى حكامهم، لأنه علم أنهم يأخذونها، فأنزل الله هذه الآيات، وروى الطبري بإسناد صحيح عن ابن عباس أن حاكم اليهود يومئذ كان أبا برزة الأسلمى قبل أن يسلم ويصحب. رجح الطبري في تفسيره وعزاه إلى أهل التأويل في تهذيبه أن سبب نزولها هذه القصة ليتسق نظام الآيات كلها في سبب واحد، ثم قال: ولا مانع أن تكون قصة الزيير وخصمه وقعت في أثناء ذلك فيتناولها عموم الآية، انتهى. قال العيني: وهاهنا سبب آخر غريب جداً، قال ابن أبى حاتم بسنده إلى أبى الأسود قال: اختصم رجلان إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقضى بينهما، فقال الذي قضى عليه: ردنا إلى عمر بن الخطاب، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انطلقا إليه، فقال الرجل: يا عمر بن الخطاب! قضى لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على هذا، فقال ردنا إلى عمر، فردنا إليك. فقال: أكدلك؟ قال: نعم، فقال عمر: مكانكما حتى أخرج إليكما فأقضى بينكما، فخرج إليهما مشتملا على سيفه فضرب الذي قال ردنا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر فاراً إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول الله قتل عمر والله صاحبي ولوما أني أعجزته لقتلى، فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كنت أظن أن يجترئ عمر على قتل رجل مؤمن، فأنزل الله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} الآية، فهدر دم ذلك الرجل، وبرئ عمر، انتهى.