قوله [فأنزل الله هذه الآية {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ] فهؤلاء (١) استثنوا عن الحكم، فكان النص ساكتاً عنهم لا أنهم ساووا بذلك المجاهدين، بل يجزون ثواب نيتهم فحسب. قوله [لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ] ليس المعنى
(١) يعني أن أهل الضرر للاستثناء خرجوا من الاشتراك في الحكم بالقاعدين لا أنهم دخلوا بذلك في حكم المجاهدين وساووا بهم، وعلى نحو ذلك بني التفسير اليسوطي في الجلالين إذا قال: (فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين) لضرر (درجة) أي فضيلة لاستوائهما في= =النية وزيادة المجاهدين بالمباشرة (وكلا) من الفريقين (وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين) لغير ضرر (أجراً عظيماً) ويبدل منه (درجات منه) منازل بعضها فوق بعض (ومغفرة) الآية، وحمل البيضاوي القاعدين في كلا الموضعين على محمل واحد، وهو المقيد بغير العلة، وفرق بينهما بالإجمال، والتفصيل إذا قال بعد قوله تعالى {عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} جملة موضحة لما نفى الاستواء فيه، والقاعدون على التقييد السابق، ثم قال بعد قوله تعالى {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ} الآية: كرر تفضيل المجاهدين وبالغ فيه إجمالا وتفصيلا للجهاد وترغيباً فيه، وقيل: الأول ما خولهم في الدنيا من الغنيمة والظفر وجميل الذكر، والثاني ما جعل لهم في الآخرة، وقيل: الدرجة ارتفاع منزلهم عند الله والدرجات منازلهم في الجنة، وقيل: القاعدون الأول هم الأضراء والقادون الثاني هم الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم، وقيل المجاهدون الأولون من جاهد الكفار، والآخرون من جاهد نفسه، وعليه قوله -صلى الله عليه وسلم-: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، انتهى. وقال صاحب الجمل بعد قوله تعالى: {عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} قال ابن عباس: أراد بالقاعدين هاهنا أولى الضرر أي فضل الله المجاهدين على أولى الضرر دحرجة، لأن لمجاهد باشر الجهاد بنفسه وماله مع النية، وأولو الضرر كانت لهم نية ولم يباشروا الجهاد، فنزلوا عن المجاهدين درجة، انتهى.