ومنها سؤال الرجل عمن صدر منه ما فيه مساغ للإنكار عذره فيه ليعتذر لو معقولاً ويبين له الصواب ويرشد إلى الحق أو يعزز على ما ارتكبه لو افتقر إليه.
ومنها أن لا يبادر إلى التعنيف ما لم يعلم باعثه على ما فعله.
ومنها جواز التكلم بين يدي الأكابر والعلماء ولو أئمة وخلفاء بأمثال تلك الأمور التي لا تستقبح شرعًا كيف ولو سكت أبو هريرة عن ذكره حياء لعد هذا عصيانًا منه حين يسأله النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يجيبه، وبذلك علم أن ما شاع في جهلة زماننا من عد أمثال هذه الكلمات مع كبراءهم وقاحة حتى إن أحدهم يظل يومه جنبًا ولا يتمكن من الغسل حياء من أهل بيته وإن فاتته في ذلك صلاة أو صلوات فإنه يبعد عنه أن يغتسل وهو بمرئ من أعينهم أو بحيث يعلمون به ولو غيبًا وكان من قلة حيائه من ربه تعالى أنه عد قضاء فرض صلاته حياء مع أنه ليس في شيء منه وإنما كان ذلك حيلة من شيطانه تسبب بها إلى ارتكاب عصيانه وكاد يبلغ إلى أن يسلب عنه نور إيمان.
ومنها جواز الحكم على الشيء بلفظ أعم من المعنى المقصود إثباته ونفي الشيء عنه وإن لم ينتف غير نوع منه معلوم فإن قوله صلى الله عليه وسلم إن المؤمن لا ينجس مع ما ثبت له من النجاسة المعتبرة عند الشرع بأنواعها الحدث والجنابة والحيض والنفاس بعضها فوق بعض حتى إنه حرم عليه في كثير منها قيامه بأكثر القربات مع تلبسه بها مشير إشارة ثابت مناب التصريح بأن الشيء كثيرًا ما يطلق على الشيء والمراد إثبات بعض أنواعه له وإنه كثيرًا ما ينتفي به بانتفاء بعض أنواعه وإن كان ظاهر اللفظ يدل على العموم إلا أنه لا ضير فيه بعد حصول المقصود فإن من الظاهر الذي لا يكاد يستره ساتر أن المخاطب لا يلتبس عليه المراد بهذا الإطلاق وبهذا ينحل كثير من الروايات التي تظن أنها تخالف غيرها حيث أثبت في إحداها الحكم مع نفيه في أخراها فتلك المخالفة إنما نشأت من حمل كلتيهما على العموم الجنسي ولو حملتا على العموم النوعي لم يكن بينهما معارضة.