للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما أنه لو كان كذلك لم يصب الجواب غرض السائل لأنه كان يسأل كونه قبل خلقه أجمع، فوجب القول بالقدم، فانتهوا عن السؤال لما قد فهموا أن الأمر ليس بمقدور أن تدركه الإفهام، وأما على الثاني فالأمر ظاهر لأن العمى هو العدم المحض فلا يتعلقه العلم والإحاطة، ولا يتوهم أن ظرفية العدم له تبارك وتعالى مما لا يعقل، لأنه ليس ظرفاً له، فأن وجوده حق لا يرتاب فيه ولم يسأل عنه، بل السؤال عما كان إذا من المكان والمقام، فقال: لم يكن ثم شيء، ولفظه ما في قوله ما فوقه هواه وما تحته هواه إن كانت نافية (١) فالهواء هي إحدى البسائط، فالمراد نفي قياسه الغائب على الشاهد، لأنه كان يرى أن كل شئ خال ففيه تمكن واستقرار لشيء، ولا أقل من أن يقر فيه هواء، فلعل ثم هواء إذا لم يكن هناك شئ آخر فنفاه، وإن كانت موصولة فهي الجو أي ما بين الأرض السماء، أي كان فوقه خلاء وتحته خلاء ولم يكن شئ موجوداً غيره سبحانه. قولته [عرشه. على الماء] ولم ينص في رواية على أن التقدم فيهما للماء أو للعرش، فيمكن (٢) أن يخلق الماء ثم العرش فوقه، وأن يخلق العرش ثم


(١) وبذلك جزم القارى إذ قال: ما نافية فيهما، وفيه إشارة إلى ما في رواية البخاري من طريق عمران: كان الله ولم يكن معه شيء. قال القاضي: المراد بالعماء مالا تدركه الأوهام، عبر عن عدم المكان بمالا يدرك ولا يتوهم، وعن عدم ما يحويه ويحيط به الهواء، فأنه يطلق ويراد به الخلاء الذي هو عبارة عن عدم الجسم ليكون أقرب إلى فهم السامع، ويذل عليه أن السؤال كان عما كان قبل أن يخلق خلقه، فلو كان العماء أمراً موجوداً لكان مخلوقاً، إذا ما من شيء سواه إلا وهو مخلوق خلقه وأبدعه، فلم يكن الجواب طبق السؤال، انتهى.
(٢) فان خلق العرش على الماء يصدق على الصور الثلاثة، لأن خلقه عز اسمه لا يحتاج إلى زمان، بل أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، لكن قال الحافظ في الفتح: قد روى أحمد والترمذي وصححه من حديث أبى رزين العقيلي مرفوعاً: إن الماء خلق قبل العرش، وروى السدى في تفسيره بأسانيد متعددة أن الله لم يخلق شيئاً مما خلق قبل الماء، وأما ما رواه أحمد والترمذي وصححه من حديث عبادة مرفوعاً: أول ما= =خلق الله القلم ثم قال: اكتب، الحديث، فيجمع بينه وبين ما قبله بأن أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش، أو بالنسبة إلى ما منه صدر من الكتابة، أي أنه قيل له: اكتب أول ما خلق، وأما حديث أول ما خلق الله العقل، فليس له طريق ثبت، وعلى تقدير ثبوته فهذا التقدير الأخير هو تأويله، وحكى أبو العلاء الهمداني أن للعلماء قولين في أيهما خلق أولا العرش أو القلم؟ والأكثر على سبق خلق العرش، واختار ابن جرير ومن تبعه الثاني، انتهى. قلت: وتقدم شيء من ذلك في أبواب القدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>