للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بذلك لعله شيء واحد خاص، فأمرهن النبي صلى الله عليه وسلم وفصله بأمر يناسبن (١)، فإن النساء لاسيما في العرب وفي عهد قريب بالجاهلية كن أشد ابتلاء بالنوحة على الأموات، ثم إن استثناء (٢) النبي صلى الله عليه وسلم نوحة مرة لأم سلمة الأنصارية كان لعلمه بالقرائن أو الوحي أنها ليست بنائحة، وإنما هي تسثتنى خوفًا على نفسها من أن تنكث عهد الله الذي عهدت، ولأن ضرر الرد في الحال كان أشد من ضرر النوحة في المآل، فإنه عليه الصلاة والسلام لما رآها راجعت مرتين خاف عليها أن تفسد دينها، فإن المواجهة والمقابلة بالنبي صلى الله عليه وسلم بما هو حرام كانت أشد، والنوحة كانت مظنونة بعد، والرد حاضر متيقن، ومن هاهنا تستنبط مسألة وهي أن الضرر القليل محتمل توقيًا عن الضرر الكثير، وأن الضرر الموجود لا يحتمل توقيًا عن الضرر المحتمل المترقب الموهوم، فإن النوحة كانت متوقفة على موت أحد منهم، ولعله لا يموت قبلها، أو تقع بينهم خصام وشقاق، أو توفق هي بعد ذلك لعدم النوح، والضرر في مراجعته صلى الله عليه وسلم كان موجودًا وقتئذ، ويتبنى على ذلك


(١) يعني ذكر هذا الأمر لشدة احتياجهن إليه وليس بحصر في ذلك، فلا يشكل بما ورد في تفسيره غير النياحة كالمنع عن خلوة الرجال وغيرها، كما أخرج الروايات في ذلك السيوطي في الدر.
(٢) وقد ورد الاستثناء لعدة نسوة، منها ما في الباب، ومنها أم عطية الأنصارية كما ذكرها البخاري في عدة روايات، ومنها خولة بنت حكيم كما ذكرها الحافظ برواية ابن مردوديه عن ابن عباس، وبسط الحافظ في الأجوبة عن هذا الاستثناء، منها ما أفاده الشيخ واختار هو أن النهي إذ ذاك كان بكراهة التنزيه، ثم وقع التحريم فورد حينئذ الوعيد الشديد، وقال: هذا أقرب الأجوبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>