فضيلتها ليكون على بصيرة من منزاتها حين يقرأ، أو وقع ذلك اتفاقًا. قوله [وإنها قيعان] ظاهره مخالف لقوله تعالى: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} والجواب (١) أن أشجارها في مواضعها مجتمعة وليست منثورة في جملة أراضيها كما هو دأب أصحاب البساتين أنهم يغرسون صنفًا من الأشجار في قطعة من الأرض صغيرة بحيث لا يكون بينها كثير فصل، ثم لما أرادوا قلعوها من هناك وأثبتوها حيث شاءوا، فكذلك أشجار الجنة إنما هي في قطاعات من الجنة، وليست في كل أراضيها بحيث لا يشذ منها أرض إلا وفيها شجر بل هي بأصنافها منبتة في موضع معلوم، فإذا سبح الرجل أو فعل غير ذلك مما هو موجب للغراس نقلت الشجرة إلى مقامه الذي أعد له، فاغتنم هذا.
قوله [لم يأت أحد يوم القيامة] إلى قوله [مثل ما قال أو زاد عليه]
(١) وهذا أجود مما أجاب به الشراح كما قال ابن الملك، يعني أن هذه الكلمات تورث قائلها الجنة، فأطلق السبب وأراد المسبب، وقال الطيبي: إنها كانت قيعانًا، ثم إن الله تعالى بفضله أوجد فيها أشجارًا وقصورًا بحسب أعمال العاملين، لكل عامل ما يختص به بسبب عمله، ثم إنه تعالى لما يسره لما خلق له من العمل لينال بذلك الثواب، جعله كالغارس لتلك الأشجار مجازًا، إطلاقًا للسبب على المسبب، وأجاب غيره بأنه لا دلالة في الحديث على الخلو الكلي من الشجار والقصور، لأن معنى كونها قيعانًا أن أكثرها مغروس، وما عداه منها أمكنة واسعة بلا غرس لينغرس بتلك الكلمات، ويتميز غرسها الأصلي الذي لا سبب وغرسها المسبب بتلك الكلمات، وقال القاري: إن أقل أهل الجنة من له جنتان، كما قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} الآية، فيقال: جنة فيها أشجار وقصور وأنهار وحور خلقت بطريق الفضل، وجنة يوجد فيها ما ذكر بسبب حدوث الأعمال، كذا في المرقاة.