للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحظ في جملتها ليس على نسق واحد بل التخلق (١) بها مختلف، ففي بعضها التخلق بمؤدى ألفاظها كما في الرحمن والرحيم، فإن التخلق فيها التكلف بالرحمة على الموافق والمخالف على حسب الشرع، حتى يصير التطبع فيه طباعًا والتكلف له هوى مطاعًا، وفي بعضها قطع الرجاء عن الغير وتوكيل أمره إليه في الشر والخير، كالمالك والرازق والوهاب وغير ذلك من الأمور كثيرة، ثم قد يتركب بعضها فيلاحظ في الاسم الواحد فوائد شتى.

قوله [إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا] أردا برياض الجنة، واقع الذكر (٢) ومواضعه، وإنما كان تفسيرها بالمسجد بيان بعض أفرادها تمثيلًا، وليس المراد الحصر، ولذلك صح تفسيرها فيما بعد بحلق (٣) الذكر، والرتع للحيوان، فيه إشارة إلى أن المرأ ينبغي أن يكون حرصه على اقتناء المكاسب الدينية كحرص البهائم والدواب على مراعيها لا تقصر منها ما أمكنها، ولئن أردا أحد أن يصرفها عنها شق ذلك عليها، حتى أنها كثيرًا ما لا تزول عن موضعها الذي اشتغلت بالعري فيها وإن نالتها بذلك ضربات وصدمات بالعصى وأجماع الأكف، فكذلك الذاكر ينبغي أن لا تأخذه في ذلك لومة لائم ولا يزله عن ما قصده شهوات الملابس


(١) وهو أن يعتبر معانيها فيطالب نفسه بما تتضمن من صفات الربوبية وأحكام العبودية فيتخلق بها، قال ابن الملك: مثل أن يعلم أنه سميع بصير فكيف لسانه وسمعه عما لا يجوز، وكذا في باقي السماء، والتخلق بأسمائه الحسنى، فبسطه الغزالي في المقصد الأسنى. وقيل: كل اسم للتخلق إلا اسم الله تعالى فإنه للتعلق، كذا في المرقاة.
(٢) قال القاري: من باب تسمية الشيء باسم ما يؤل إليه، أو بما يوصل إليه.
(٣) وقيل: هذا الحديث مطلق في المكان والذكر فيحمل على المقيد المذكور في باب المساجد، قال القاري: والأظهر حمله على العموم.

<<  <  ج: ص:  >  >>