(٢) قال الحافظ: جاء في سد الأبواب التي حول المسجد أحاديث يخالف ظاهرها حديث الباب، ثم ذكر الروايات التي فيها استثناء باب على من حديث سعد بن أبي وقاص عند أحمد والنسائي بإسناد قوي، قال: وفي رواية للطبراني في الأوسط برجال ثقات قال: يا رسول الله سدت أبوابنا، فقال: ما أنا سددتها ولكن الله سدها، ومن رواية زيد بن أرقم عند أحمد والنسائي والحاكم برجال ثقات، ومن حديث ابن عباس عند أحمد والنسائي برجال ثقات بلفظ: أمر بسد الأبواب غير باب علي، فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره، وغير ذلك من الروايات، ثم قال: وهذه الأحاديث يقوى بعضها بعضًا، وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلاً عن مجموعها، وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات، وأخرجه من حديث سعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم وابن عمر مقتصرًا على بعض طرقه عنهم، وأعله لبعض من تكلم فيه، وليس ذلك بقادح لما ذكرت من كثرة الطرق، وأعله أيضًا بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر، وزعم أنه من وضع الرافضة قابلوا به الحديث الصحيح في باب أبي بكر، انتهى. وأخطأ في ذلك خطأ شنيعًا، فإنه سلك في ذلك رد الأحاديث الصحيحة بتوهمه المعارضة، مع أن الجمع بين القصتين ممكن، وقد أشار إلى ذلك البزار في مسنده فقال: ورد من روايات أهل الكوفة بأسانيد حسان في قصة علي رضي الله عنه، وورد من روايات أهل المدينة في قصة أبي بكر، فإن ثبتت روايات أهل الكوفة فالجمع بما دل عليه حديث أبي سعيد الخدري، يعني الذي أخرجه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك، والمعنى أن =باب علي رضي الله عنه كان إلى جهة المسجد، ولم= يكن =لبيته باب غيره، فلذلك لم يؤمر بسده، ويؤيد ذلك ما أخرجه إسمعيل القاضي في أحكام القرآن من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لأحد أن يمر في المسجد وهو جنب إلا لعلي رضي الله عنه لأن بيته كان في المسجد، ومحصل الجمع أن الأمر بسد الأبواب وقع مرتين، ففي الأول استثنى على لما ذكر، وفي الأخرى استثني أبو بكر، ولكن لا يتم ذلك إلا بأن يحمل ما في قصة علي على الباب الحقيقي، وما في قصة أبي بكر على الباب المجازي، والمراد به الخوخة، كما صرح في بعض طرقه، وكأنهم لما أمروا بسد الأبواب سدوها وأحدثوا خوخًا يستقربون الدخول إلى المسجد منها، فأمروا بعد ذلك بسدها، فهذه طريقة لا بأس بها في الجمع بين الحديثين، وبها جمع الطحاوي في مشكل الآثار، وأبو بكر الكلاباذي في معاني الأخبار، وصرح بأن بيت أبي بكر رضي الله عنه كان له باب من خارج المسجد، وخوخة إلى داخل المسجد، وبيت علي رضي الله عنه لم يكن له باب إلا من داخل المسجد، انتهى.