للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما أزللن يوسف حين قلن له ما قلن، أو المعنى إنكن صواحب يوسف حين أظهرن له أن يلتفت إلى زليخا وهن يقصدن لفتته (١) إليهن أنفسهن، فكذلك أنتن تبدين لي أشياء وفي قلوبكم (٢) غيرها، وذلك أن عائشة رضي الله عنها أرادت أن لا يتشاءم الناس بأبي بكر، وحفصة أرادت تقدم أبيها على القوم، وكلتاهما مظهرة له صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر بتقدمه لا يكاد يسمعهم القرآن رقة.

قوله [نودي من أبواب الجنة (٣)] أي من أبواب الصدقة كلها، فإن


(١) قال المجد: لفته يلفته لواه وصرفه عن رأيه، وقال الصاوي: وورد ما من امرأة إلا دعته لنفسها.
(٢) قلت: ويحتمل أن يكون التشبيه فيما حكى عامة المفسرين في قوله تعالى: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ} سمى مكرًا لأنهن طلبن بذلك رؤية يوسف لأنه قد وصف لهن حسنه وجماله فتعلقن به وأجبن أن يريه.
(٣) ليس هذا لفظ الترمذي في النسخ التي بأيدينا، بل لفظه: من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة: يا عبد الله هذا خير، ولعل الشيخ ذكر هذا اللفظ على سبيل التفسير، فإن ذلك هو المراد لما ورد في عامة الروايات كما في البخاري وغيره بهذا اللفظ، وحاصل ما أفاد الشيخ في تقريره جواب لطيف لا يراد يقع على ظاهر الحديث، فإن ظاهره أن المتفق يدعى من الأبواب كلها، وعلى هذا فيشكل سؤال أبي بكر، فإن منفق الزوجين لا يعد ولا يحصى في الأمة، فكيف سؤال أفهم الناس وأعلمهم، وأيضًا فيشكل ما ورد في الروايات الأخر من التخصيص، كما في صوم البخاري برواية سهل مرفوعًا: إن في الجنة بابًا يقال له الريان يدخل منه الصائمون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد، وذكر الحافظ برواية أحمد وابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أبي هريرة: لكل عامل باب من أبواب الجنة يدعى منه بذلك العمل، وحاصل ما أجاب الشيخ بأن للجنة أبوابًا كبارًا وتحت كل باب منها أبواب صغار، فالمراد في الحديث الأبواب الصغار الداخلية تحت باب الصدقة، وعلى هذا فلا إشكال بالروايات الأخر، وأيضًا لا إشكال في سؤال أبي بكر فإن مراده الدعاء من الأبواب كلها الكبار والصغار، وهذا أسهل مما اختاره الشراح من المعاني في توجيه الحديث، مثل ما قال القاري: أي دعته الخزنة من جميع أبوابها، وفيه تنبيه أنه عمل عملا يوازي الأعمال يستحق بها الدخول من تلك الأبواب على أجمل الأحوال، ويمكن أن يكون التقدير من أحد أبوابها لما ورد أن للصدقة بابًا، ويقويه سؤال الصديق، انتهى. ومثل ما قال العيني وغيره: المراد بهذه الأبواب غير الأبواب الثمانية، ومثل ما تكلفوا بأن الانفاق في الصلاة قوت المصلى وثوبه، أو أن يبنى مسجدًا، والنفقة في الصيام أن يفطر صائمًا وغير ذلك. نعم بقى في الحديث إشكال وهو أن الوارد على الحوض لا يظمأ أبدًا فأي فاقة له إلى باب الريان، ومن يدخل من باب الريان لابد أن يسبقه على الحوض، وهذا ضروري وإن لم يكن عكسه ضروريًا كما في الأوجز.

<<  <  ج: ص:  >  >>