للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن النقيب وهو المراد بالنجيب هو الذي يتقدم الإمام ويتكلم بين يديه، وأما عثمان فقد بلغ حياؤه منزلة ليس يمكن لهم التكلم بين يديه صلى الله عليه وسلم إلا لضرورة، فلا يتأتى منه تلك الخدمة، وليس ذلك لمنقصة فيه نسبة عمن ذكر ها هنا.

قوله [وأصدقهم حياء] يعني أنها ليست منه تكلفًا. قوله [وأعلمهم بالحلال والحرام] أي من أعلمهم (١).


(١) إشارة إلى أ، لفظ (من) مقدر على صيغ التفضيل في هذا الحديث، وعلى هذا فلا يشكل بشركة غيرهم في هذه الأوصاف، وأجاب النووي بجواب آخر كما حكاه عنه القاري إذ قال: قال النووي في فتاواه: قوله أقضاكم علي، لا يقتضي أنه أقضى من أبي بكر وعمر، لأنه لم يثبت كونهما من المخاطبين، وإن ثبت فلا يلزم من كون واحد أقضى من جماعة كونه أقضى من كل واحد، يعني لاحتمال التساوي مع بعضهم، =ولا يلزم من كون واحد أقضى أن يكون أعلم من غيره، ولا يلزم من كونه أعلم كونه أفضل، انتهى. وفي المجمع: قوله أقرؤكم أبي، قبل: أراد من جماعة مخصوصين أو في وقت مخصوص فإن غيره كان أقرأ منه، ويجوز إرادة أكثرهم قراءة، ويجوز كونه عامًا وأنه أقرأ الصحابة، أي أتقن للقرآن وأحفظ، انتهى. قلت: فلو سلم عمومه ففي تقديمه صلى الله عليه وسلم أبا بكر إلى، ولذا مال ابن الهمام وابن حجر في شرح المنهاج وغير واحد من أهل العلم إلى أن قوله صلى الله عليه وسلم: يؤم القوم أقرؤهم، منسوخ بإمامة أبي بكر، ومال الزيلعي على الكنز إلى أن الروايات في قوله: أقرؤهم وأعلمهم مختلفة، والفعل مرجح، وقال أيضًا: إن قوله صلى الله عليه وسلم: يؤم القوم أقرؤهم كان في الابتداء، وكان يستدل بحفظه على علمه لقرب العهد بالإسلام، ولما طال الزمان وتفقهوا قدم الأعلم نصًا، وكان أبو بكر أعلمهم، ألا ترى إلى قول أبي سعيد: كان أبو بكر أعلمنا، انتهى وقال القارئ: والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قدم أبا بكر لكونه جامعًا للقرآن والسنة، والسبق والهجرة، والسن والورع، وغير ذلك مما لم يجتمع في غيره من الصحابة، وبهذا صار أفضلهم، ولا ينافي أن يكون في المفضول مزية من وجه على الأفضل، انتهى قلت: ومقتضى ذلك أيضًا عموم حديث الباب وحمله على الفضيلة الجزئية، والأوجه عندي أن الأقرأ يطلق على معنيين، كما جزم به عامة شراح الحديث وعلماء الفقه: بمعنى أكثرهم حفظًا للقرآن وأخذًا له، والثاني أجودهم قراءة وأعلمهم بوجوه القراءات، والمراد في حديث الباب الثاني، كيف وقد ثبت أن جماعة من الصحابة كانوا حفاظ القرآن كما سيأتي قريبًا. فلو لم يكن المراد ذلك يكون قوله: أقرؤكم أبي، مشكلاً، والمراد في حديث الإمامة هو المعنى الأول، فإن مدار الإمامة على العلم بالمسائل، وكانوا أهل لسان، فكل من كان أكثرهم قرآنًا كان أعلمهم بالمسائل، ولي على ذلك قرائن كثيرة لا يسعها هذا المختصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>