للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإلا انفسخ، وإنما أبى النبي صلى الله عليه وسلم إقالته ذلك الذي عهد لأنه كان ارتدادًا من الإسلام (١)، فكيف لا ينكره النبي صلى الله عليه وسلم. قوله [وتنصع طيبها] من التفعيل (٢) والطيب مفعوله، أو من المجرد وهو فاعله، وليس المراد أنه


(١) قال الحافظ: ظاهره أنه سأل الإقالة من الإسلام، وبه جزم عياض، وقال غيره: إنما استقالة من الهجرة وإلا لكان قتله على الردة، انتهى.
(٢) قال العيني: ينصع بفتح ياء المضارعة وسكون النون وفتح الصاد المهملة في آخره عين مهملة من النصوع، وهو الخلوص، والناصع الخالص، وطيبها بكسر الطاء وسكون الياء مرفوع على أنه فاعل؛ لأن النصوع لازم، وفي رواية الأكثرين بضم الباء وفتح النون وتشديد الصاد من التنصيع، وقوله: طيبها بتشديد الياء مفعوله بالنصب، هكذا قال الكرماني من التنصيع، لكن الظاهر أنه من الإنصاع، وسواء كان من التنصيع أو الإنصاع فهو متعد، فلذلك نصب طيبها، فافهم، وقال القزاز: قوله ينصع لم أجد له في الطيب وجهًا، وإنما الكلام يتضوع طيبها أي يفوح، قال: ويروى ينضخ بضاد وخاء معجمتين، ويرى بحاء مهملة وهو أقل، وقال الزمخشري: يبضع بضم الياء وسكون الموحدة، ورد عليه الصاغاني بأن الزمخشري خالف بهذا القول جميع الرواة، وقال ابن الأثير: المشهور بالنون والصاد المهملة، انتهى. ثم قال ابن المنير: ظاهر الحديث ذم من خرج من المدينة، وهو مشكل فقد خرج منها جمع كثير من الصحابة، وسكنوا غيرها من البلاد، وكذا من بعدهم من الفضلاء، والجواب أن المذموم من خرج عنها كراهية فيها ورغبة عنها كما فعل الأعراب المذكور، وأما المشار إليهم فإنما خرجوا لمقاصد صحيحة كنشر العلم وفتح بلاد الشرك، والمرابطة في الثغور وجهاد الأعداء، وهم مع ذلك على اعتقاد فضل المدينة، هكذا في الفتح، وفيه أيضًا في موضع آخر: قوله تنفي الناس، قال عياض: هذا مختص بزمنه لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام بها معه إلا من ثبت إيمانه، وقال النووي: ليس هذا بظاهر لأن عند مسلم: لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد، وهذا - والله أعلم - زمن الدجال، قال الحافظ: ويحتمل أن يكون المراد كلا من الزمانين، وكان الأمر في حياته صلى الله عليه وسلم كذلك لقصة الأعرابي، فانه صلى الله عليه وسلم ذكره معللًا به خروج الأعرابي، ثم يكون هذا في آخر الزمان أيضًا عندما ينزل بها الدجال فترجف بأهلها، فلا يبقى منافق ولا كافر إلا خرج، ثم قال مجيبًا عن الإيراد: إن ذلك إنما هو في خاص من الزمان ومن الناس، بدليل قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ}، والمنافق خبيث بلا شك، وقد خرج من المدينة بعد النبي صلى الله عليه وسلم معاذ وأبو عبيدة وابن مسعود وطائفة، ثم علي وطلحة والزبير، وعمار وآخرون، وهم من أطيب الخلق، فدل على أن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس ووقت دون وقت، انتهى. قال العيني: فإن قلت: إن المنافقين سكنوا المدينة وماتوا بها ولم تنفهم، قلت: كانت المدينة داره أصلًا ولم يسكنوها بالإسلام ولا حبًا له، وإنما سكنوها لما فيها من أصل معاشهم، ولم يرد صلى الله عليه وسلم بضرب المثل إلا من عقد الإسلام راغبًا فيه ثم خبث قلبه، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>