للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأحس النبي صلى الله عليه وسلم حسيسهم فاشتبه عليه قرآنه أو لأنه لما علم بحسيس صوتهم في القراءة اغتاظ لمخالفتهم أمره في الانتهاء عن القراءة خلف الإمام فلشدة موجدته عليهم في ذلك اشتبهت عليه قراءته أو لما أثر رغبتهم عن قراءته لشغلهم بقراءتهم في توجهه إلى قراءته فإن لرغبة السامعين دخلاً في انبعاث الإمام القارئ على القراءة.

قوله [قول فانتهى الناس] أي الذين كانوا يقرأون حين يصلون خلف الإمام ومما ينبغي أن يعلم أن أول ما فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الصلاة إنما هي صلاة الليل كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢)} إلخ وكان الأمر على ذاك ما شاء الله تعالى ثم نسخت في حق المقدار حين نزلت آي أواخر السورة المذكورة وهي قوله تعالى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ} وبقى مطلق أمر صلاة التهجد عل فرضيته ولو آية (٢) أو سورة قصيرة أو طويلة وشاع فيما بينهم في ذلك طريقة أداء الصلوات الخمس ثم لما فرضت الصلوات الخمس وكانوا من قبل ذلك يصلي كل منهم لنفسه ووجبت الجماعة نزل قوله تعالى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)} فانتهوا بذلك عما كانوا عليه من قراءة كل ما اعتادوا ذلك في صلاة التهجد وبذلك أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم واستقر الأمر على ذلك وكان الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم من أنه لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن، وكذلك لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب


(١) وكان نزولها في مبدأ الوحي لما جاءه الوحي في غار حراء ورجع إلى خديجة يرجف فؤاده فقال زملوني زملوني ثم نسخر بآخر السورة وكان بينهما سنة كما في حديث عائشة وابن عباس عند أبي داؤد فبقى مطلق التهجد فرضًا ثم نسخ بالصلوات الخمس في الإسراء كما في الجلالين والقسطلاني وغيرهما.
(٢) أي ولو يقرأ فيها آية أو سورة قصيرة قال الرازي قيل يقرأ مائة آية، وقيل خمسين آية ومنهم من قال بل السورة القصيرة كافية لأن إسقاط التهجد إنما كان دفعًا للحرج وفي القراءة الكثيرة حرج فلا يمكن اعتبارها، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>