للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكانت الزيارة جائزة الأصل.

وأما قول من قال إن ذلك كان اجتهادًا منها من غير أن يستند إلى حجة ودليل فحطيطه لشأن الأصحاب رضي الله عنهم من مراتبهم لا سيما عائشة أفقه النساء بل وأفضل في التفقه من أكثر الرجال فكيف يظن بها أنها ارتكبت ذلك دون استناد إلى حجة وبرهان إذ لو سلم هذا لارتفع الأمان من سائر الأصحاب مع أن القدوة بهم في تلك المسالك ودون التقفي بهم مفاوز وعر ومهالك مع أن مسألة زيارة القبور ليست مما يندر وقوعها حتى يظن أنها لم تعلم جوازها عن حرمتها ومن تشبث بكون هذا خيرًا لم يأت بمقنع لأنه وإن كان خبرًا لفظًا لكنه إنشاء معنى وكثير من الأوامر والنواهي أنزلت بصورة الأخبار لفوائد مختلفة ونكت بليغة مؤتلفة مع جواز الشيخ عليها وليس بفرق بين الأوامر التي في صورة الأخبار والتي في صورة الإنشاء بجواز النسخ على الثاني دون الأول مع أن الأخبار لو سلم لفظًا ومعنى لم يضر لأن الأخبار عن شيء هو موقوف وجودًا وعدمًا على وجود غيره وعدمه ليس بمستدع أن يبقى المخير عنه موجودًا وإن تبدل الذي توقف الخبر عنه عليه بل الأخبار إنما ثمة موقوف على وجود المتوقف عليه وإذا كان كذلك فأعلم أن الأخبار عن وجود اللعن عليهن فإنما ذلك لارتكابهن شرعيًا فلما ارتفع النهي ورخص الشرع في فعله لم يبق منهيًا عنه حتى يلزم اللعن بفعله والتخلف عن ذلك لا يسمى كذبًا حتى يلزم المحال الذي بنى المستدل عليه استدل النسخ.

وأما اتخاذ المساجد عليها فلما فيه من الشبه باليهود في اتخاذهم مساجد على قبور أنبيائهم وكبرائهم ولما فيه من تعظيم الميت وشبه بعبدة الأصنام لو كان القبر في جانب القبلة وكراهة كونه في جانب القبلة أكثر من كراهة كونه يمينًا أو يسارًا وإن كان خلف المصلي فهو أخف كراهة من كل ذلك لكن لا يخلو عن كراهة (١)


(١) فإن أهل المتون صرحوا بكراهة الصلاة في المقبرة، قال ابن عابدين واختلف في علته فقيل لأن فيها عظام الموتى وصديدهم وهو نجس وفيه نظر، وقيل لأن أصل عبادة الأصنام اتخاذ قبور الصالحين مساجد وقيل لأنه تشبه باليهود عليه مشى في الخانية ولا بأس في الصلاة فيها إذا كان فيها موضع أعد الصلاة وليس فيه قبر ولا نجاسة ولا قبلته إلى قبر، انتهى، والمسألة خلافية بين الأئمة جدًا فاختلفوا في فساد الصلاة والإباحة والكراهة واختلفوا في المقبرة المنبوشة وغير المنبوشة واختلفوا في مقابر المسلمين والكفرة، والبسط في الأوجز.

<<  <  ج: ص:  >  >>