الصريحة الواردة في ذلك وعمل الصحابة، ومعنى الأمر إما على الاستحباب أو المراد به وهو الحق أنه قال: اجعل آخر صلاتك المفروضة عليك وترك فيثبت بذلك الترتيب بين الفرائض والوتر ووجوب الوتر، وإن امرؤ صلى الوتر قبل العشاء فإنه يعيده لتركه وجوب التأخير الثابت بقوله اجعل آخر صلاتك، وأيضًا فقد علم بهذا الحديث على هذا المعنى كون الوتر فرضًا عمليًا لإدخاله في إعداد الفرائض. قوله [أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم] هذا مخالف لما قد ثبت أن صوم عرفة أجره أجر صوم سنتين، وصوم المحرم أجره أجر سنة، فأجاب بعضهم بأن البعدية ليست بمتصلة فلا ينافي كون شيء آخر في الترتيب بين رمضان ومحرم، وهذا ليس بشيء بل الجواب (١) أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصوم عرفة بعدما قال الحديث المذكور فلا حرج فيه حينئذ.
قوله [إنه سأل عائشة كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان] هذا السائل كان يظن أنه صلى الله عليه وسلم لعله يجتهد بكثرة الركعات فيه، وكان له حال صلاته في غير رمضان معلومًا، ولذلك خصص رمضان في سؤاله، فكأنه حمل ما سمع من اجتهاده صلى الله عليه وسلم وتشميره عن ساق الجد في ليالي رمضان، كما ورد في أكثر الروايات على أنه يكثر من الركعات في رمضان ما لا يكثر في غيره، ولذلك ترى عائشة أجابت بنفي زيادة الركعات دون ما هو مصرح في سؤاله عن لفظ كيف، وسكت السائل عليه واقتنع به ولم يرد عليه أنه سائل عن كيفيتها ولا يبعد أن يقال إنها أجابت صريح سؤاله بقولها فلا تسأل عن حسنها وطولها، وإنما زادت أول كلامها دفعًا لما رأت من رغبتهم في كثرة الركوع والسجود وما ينبغي أن يعلم أن نفيها
(١) قلت: ويمكن أيضًا أن يجاب بأن المراد في حديث الباب صوم الشهر بتمامه فباعتبار الشهور يفضل المحرم على ذي الحجة، كما قال به جمع من الشافعية ففي الأنوار الساطعة من مسالك الشافعية إن رمضان أفضل الشهور، ثم المحرم ثم رجب ثم ذو الحجة ثم ذو القعدة ثم شعبان ثم باقي الشهور.