للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو سلم فليس هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم لكنه يرد عليه أن مثل هذا مما لم يوقف عليه إلا بإخباره صلى الله عليه وسلم فكان غير المرفوع منه في حكم المرفوع لكنه يمكن الجواب عن ذلك بأن ابن عباس لعله استنبط عدم وجوبه بما يمكن حمله على معنى آخر غير ما فهمه، ولعله (١) استدل بأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تلاها فلم يسجد على فوره فظن أنها ليست بسجدة ثم رآه ثانيًا قرأها فسجد على الفور فظن أنها سجدة، إلا أنها ليست من عزائم السجود، بل الأمر على اختيار منه إن شاء سجدها وإن شاء لم يسجدها، ومثل هذا الجواب يمكن سوقه في حديث عمر الذي أجبنا عنه فيما سبق بوجهين.

قوله [وقال بعضهم إنها توبة نبي] هذا أيضًا لا ينافي كونها سجدة فإن السجدة إنما تثبت بسجود النبي صلى الله عليه وسلم في موضع من القرآن ما كان من شيء، فإن داؤد عليه السلام لما قبل توبة سجد شكرًا ونحن نسجدها لقوله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} وأما قول الأحناف (٢) في سجدة الحج الثانية فلا يقبله الطبع إذ لا جواب عما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب من قال: فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين قال: نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما، وما قالوا بأن الحديث ضعيف كما أقر به المؤلف أيضًا فضعفه منجبر لأنها رويت بأوجه ثلاثة، وأجمعوا على أن الضعيف يبلغ بذلك درجة الحسن (٣) ولعلهم احتاطوا لئلا


(١) ويحتمل أنه استنبط بما روى عنه النسائي: أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في ص فقال سجدها داؤد توبة ونسجدها شكرًا، فلعله زعم أن كونه سجود شكر ينافي العزيمة لأنه لم يعزم من سجدات الشكر شيء فتأمل، وبسط في الأوجز دلائل السجود فيها.
(٢) يعني قولهم أن في سورة الحج سجدة واحدة فقط وهي الأولى منهما.
(٣) قلت: إلا أن أمر الوجوب أهم، وقد قال ابن حزم: ثانية الحج لا نقول بها أصلاً ولا تبطل بها الصلاة، يعني إذا سجدت، لأنها لم تصح بها سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجمع عليها، وإنما جاء فيه أثر مرسل، وقال ابن عباس والنخعي: ليس في الحج إلا سجدة واحدة، وفي البرهان مذهبنا مروي عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: سجدة التلاوة في الحج هي الأولى والثانية سجدة الصلاة، انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>