للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قال الأكثرون أصحاب عشرة آلاف] إنما اضطر (١) إلى هذا لأن الوعيد المذكور يحقق أن هذا ليس في الإعطاء التطوع فكان فرضًا ومقدار الفرض لا تبلغ إلى حد ينشرها في جميع جهاته إلا أن يكون قد ملك عشرة آلاف دراهم وأنت تعلم ما بينا في توجيهه (٢) فالظاهر (٣) أن هذا تفسير للمكثرين في بعض الأحوال يعني أن المكثر قد يطلق على هذا المعنى أيضًا.

[قوله إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك] واستدل بهذا الحديث من أنكر وجوب الأضحية قلنا فيلزم أن لا يجب صدقة الفطر مع أنكم قلتم بفرضيتها فما هو جوابكم فهو جوابنا، ويمكن أن يقال إن معناه قد قضيت ما عليك من الزكاة (٤) أو من نققات التطوع أو أديت ما ورد الوعيد بتركه أو قضيت ما عليك


(١) والظاهر أنه إنما اضطر إلى هذا التفسير لأن عشرة آلاف جامعة لجملة الأعداد التي هي أساس التعداد عند العرب فإنها جامعة للآحاد والعشرات والمئين والألوف.
(٢) الظاهر أنه إشارة إلى ما تقدم من أن المراد بالكثرة النصاب.
(٣) وعلى ما في الحاشية من أن التفسير عن الضحاك ورد في موضع آخر لا حاجة إلى التوجيه ولفظها هذا التفسير من الضحاك لحديث آخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم من قرأ ألف آية كتب من المكثرين المقنطرين، وفسر المكثرين بأصحاب عشرة آلاف درهم، وأورد الترمذي هذا التفسير ههنا لمناسبة ضعيفة، انتهى.
(٤) وعلى هذا ففائدة الكلام أنه لا يبقى بعد أداء مال الزكاة شيء آخر منتظر لسقوط الزكاة كأكل النار وغيره بل يكفي لفراغ الذمة أداء مالها نعم يشكل سقوط نفقات التطوع بأداء مال الزكاة، اللهم إلا أن يقال أن المعنى لم يبق بعد أداء الزكاة كاملاً مكملاً مزيد فاقة إلى التطوعات، فإن أداء الفرائض كاف للنجاة أو المعنى إذا أديت مال الزكاة في نفقات التطوع لم يبق للنفقات مزيد احتياج إلى مال آخر فتأمل. والأوجه عندي في معنى الحديث أنك إذا أديت الزكاة بعد برهة من الزمان ولو بعد سنين مثلاً فقد قضيت ما عليك ولا يجب شيء آخر لأجل التأخير كما قالوا بوجوب الفدية أيضًا بتأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر، هذا هو الأوجه عندي في معنى الحديث لكني لم أره في كلام أحد من المشايخ فتأمل، ولا يبعد أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم دفع بذلك ما يتوهم من قوله الآتي قريبًا إن في المال لحقًا سوى الزكاة من وجوب شيء آخر سوى الزكاة فنبه عليه السلام بهذا أن الحديث الآتي من مكارم الأخلاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>