يبعث البعوث إلى مكة، ثم اعلم أن عمرو بن سعيد هذا أقام على مكة مدة يجادل ويقاتل ويرمي على أهل مكة بالمجانق والنيران حتى احترقت وانهدمت أستار الكعبة حرسها الله وجدرانها ولكنه لم يقدر على قتل ابن الزبير إلى أن وصلت إليه بشارة نعي يزيد فانصرف عنها خائبًا خاسرًا، ثم ولى الخلافة بعده معاوية بن يزيد فجمع الناس وقال لهم اعلموا أن هذه الخلافة قد ارتكب فيها جدي ما لم يكن له أن يرتكب مع ما ناله من شرف الصحبة مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد رأيتم من يزيد ما فعلها من سوء صنيعته بأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإني لا آمن على نفسي أن أنال بها مكروهًا في ديني فخلع الخلافة عن نفسه، وقال لو من شئتم فتولى مروان فلم يتيسر له قتل ابن الزبير رضي الله عنه ثم لما وصلت النوبة إلى عبد الملك بن مروان وطلب الحجاج وجعله عاملاً قتل ابن الزبير رضي الله عنه في زمنه.
قوله [ايذن لي أيها الأمير] يعلم من ههنا أن الأمر بالمعروف مقيد بما لو رجئي الآمر لقبول ولم يخف على نفسه وإنه يجب أن يكون على حسب منزلة المقول له فإن أبا شريح مع كونه صحابيًا لم يقله لعمرو بن سعيد إلا بعد استئذانه منه.
قوله [سمعته أذناي] دفع بذلك ما يتوهم من أنه لعله سمعه بواسطة أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [ووعاه قلبي] دفع بذلك شبهة النسيان والغلط وعدم فهم