للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى كلامه صلى الله عليه وسلم عن نفسه [وأبصرته عيناي] حين تكلم به أي كان بمرأى مني ومسمع فلا يتوهم أني ظننت غير النبي صلى الله عليه وسلم إياه ولا أنى لبعدي منه اشتبهت (١) في شيء من كلامه.

قوله [إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس] الجملة الثانية مؤكدة للأولى والغرض من قوله هذا أن تحريمها (٢) لما كان منه سبحانه وتعالى كان قطعي العمل يخاف من هتك حرمتها ما يخاف من ارتكاب المنهيات الأخر وأما لو كان التحريم من الناس لم يكن في هتكها بأس فإنهم ناس ونحن أناس.

قوله [لا يحل لإمرئ يؤمن بالله] أشار بذلك إلى أن هتك حرمة البيت ليس من شأن المؤمن فإنه إذا كان مؤمنًا بالله وبشهوده بين يديه يوم القيامة كيف يتيسر له أن يهتك حرمة بيته وهذا الإقدام منه مشعر بقلة استيقانه وضعف إيمانه.


(١) يقال اشتبه في الأمر إذا شك فيه، واشتبه عليه الأمر إذا خفى عليه والتبس.
(٢) ويشكل عليه ما ورد عند التسخين وغيرهما من قوله صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة، الحديث، ويجاب عنه بأن نسبة الحكم إلى إبراهيم عليه السلام على معنى التبليغ وأن إبراهيم حرم بأمر الله تعالى لا باجتهاده أو أن الله قضى يوم خلق السماوات والأرض إن إبراهيم سيحرمها أو المعنى أن إبراهيم أول من أظهر تحريمها أو أول من أظهر بعد الطوفان، وقال القرطبي: معناه أن الله حرم مكة ابتداء من غير سبب ينسب لأحد ولا لأحد فيه مدخل قال ولأجل هذا أكد المعنى بقوله ولم يحرمها الناس، والمراد أن تحريمها ثابت بالشرع لا مدخل للعقل فيه أو المراد أنها من محرمات الله فيجب امتثال ذلك وليس من محرمات الناس يعني في الجاهلية كما حرموا أشياء من عند أنفسهم فلا يسوغ الاجتهاد في تركه، وقيل معناه أن حرمتها مستمرة من أول الخلق وليس مما اختصت به شريعة النبي صلى الله عليه وسلم كذا في الفتح.

<<  <  ج: ص:  >  >>