للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه وعلى الوجهين فهو غير جار على عمومه إنما المراد (١) بمن هذه من كان كافرًا أو يكون قد وصى بالنوح أو كان الميت يرضى بالنوح في حين حياته وأما إذا لم يكن شيء من هذه الأمور وكان الميت مؤمنًا ينهاهم عنه في حياته ولم يوص به وقت مماته أو خاف عنهم ذلك فنهاهم وصاياه فليس عليه من نوحهم شيء ويصدق حينئذ قوله تعالى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ظاهرًا لا شبهة فيه إذ الميت حينئذ إما أن يكون كافرًا فتعذيبهم بنوحهم إنما ذلك تعذيب بالكفر الذي اكتسبه وصار نوحهم عليه سببًا لزيادة في العذاب وأنت تعلم أن عموم قوله تعالى {وَلا تَزِرُ} الآية شامل للكافر والمسلم فزيادة العذاب على الكافر بنوحيهم فرار على ما منه الفرار إلا أن يصار في دفعه إلى أحد الوجوه الباقية من الوصية وغيرها وفيه أنه غير مخاطب بالشرائع فكيف يعذب على عدم امتثالها وإنما تعذيبه على أعظم الجنايات والجواب أن عدم كونهم مخاطبين إنما هو في حق الأحكام الأخروية (٢) بالامتثال. وأما في حق المؤاخذة عليها في الآخرة فهم مخاطبون بها باتفاق بيننا وبين الشافعي أو يقال ليس المراد بذلك ما فيهم بل المراد أنه مع كونه معذبًا على كفره يقال له ما ينوحه به إلا حياء تبكيتًا له وتهكماته وهذا لزيادة في العذاب ولا تنكر أو أوصاهم بذلك فتعذيبه على وصيته لا على نوحهم أو يقال لما كان سببًا لوقوعهم في الإثم فعذب على حد قوله عليه السلام من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها إلى آخره، وكذلك إذا كان راضيًا به في حياته فإنه أمرهم بلسان حاله أن ينوحوا عليه لكن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عمم الصنيعة ههنا ردعًا للعوام عن النوح مطلقًا وإن كان المعذب بنوحهم هو بعض أفراد من نيح عليه لا جميعهم. قوله [لن يدعهن الناس] ليس المراد أنه لن يدعها أحد منهم إنما المراد أنها لا تترك كلية حتى لا يرتكبها أحد بل


(١) اختلفوا في معاني أحاديث عذاب الميت ببكاء أهله عليه على أربعة عشر قولاً بسطت في الأوجز فارجع إليه لو شئت تفصيل مسالك العلماء في ذلك.
(٢) هكذا في الأصل والصواب على الظاهر «الدنيوية».

<<  <  ج: ص:  >  >>