للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبقى منها بقية في الناس، قوله [والعدوي] الظاهر من النظر في الأحاديث التي وردت في أمثال هذه المواضع أن العرب كانت تزعم للعدوي تأثيرًا في نفسه من غير افتقار إلى مؤثر سواه فنفي النبي صلى الله عليه وسلم عن العدوي كل نوع من التأثير، وإن كان لأمثال هذه مدخل في مسبباتها وإن كان بإذن منه سبحانه فقولهم إنه سبحانه وضع للنجوم وغيرها. تأثيرًا بحيث تعطل بعد ذلك أي لم يبق له قدرة على الإيجاد والإعدام سبحانه وتعالى هذا شرك وكفر كما أن القول بأن لها تأثيرًا في نفسها من غير أن يضعه الله سبحانه فيها، وكذا القول بأنه تعالى يضع فيها تأثيرًا ثم لا يؤثر سبحانه بل التأثير إنما يكون لها، وفي هذا الوجه له خيار على الخلاف إن شاء ولا كذلك في الوجه الأول وكذا الاعتقاد بأن التأثير منه سبحانه إلا أن التخلف لا يمكن عما هو ظاهر حالها وأما أنها ليس لها دخل لا بكونها سببًا ولا أمارة فلم يذهب إلى ذلك إلا شرذمة من أهل الظاهر والذي ينبغي أن يعتقد عليه القلب أنه تعالى هو المؤثر الحقيقي يفعل ما يشاء حيث شاء وإنما أمثال هذه أمارات جرت عادته سبحانه وتعالى أنه يفعل بعد إظهارها ولو شاء لم يفعل مع ظهور الأمارات أيضًا كما أنه وضع في الأدوية أفعالاً وخواص وقد تتخلف (١) عن موجبها كذلك نعتقد في العدوي وتأثيرات النجوم وأمطار الأنواء أنه تعالى وضع فيها أثرًا من غير أن يكون لها تأثير في إبدائه فأمرها ليس إلا كأمر الأمطار إذا تنشأت سحابة فالظاهر منها أنها تمطر ومع ذلك فلسنا بالأمطار مستيقنين إلا أن يشاء الله رب العالمين، قوله [الميت يعذب ببكاء أهله عليه] هذا القول كالأول في أن المراد بالميت بعض أفراده كما سبق وبالبكاء البكاء (٢) المخصوص وهو البكاء المنهي عنه الذي بينه في جواب عبد الرحمن كما سيأتي عن قريب إلا أنه صلى الله عليه وسلم تركه على العموم اتكالاً على ما بينه في موضع آخر واعتمادًا على الفهم أو ليردع


(١) قال الشاه ولي الله في حجة الله: والحق أن سببية هذه الأسباب إنما تتم إذا لم ينعقد قضاء الله على خلافه لأنه إذا انعقد أتمه الله من غير أن ينخرم النظام، انتهى.
(٢) وقد تقدم في الباب السابق أن للعلماء في هذا البكاء أربعة عشر قولاً بسطت في الأوجز.

<<  <  ج: ص:  >  >>