بذلك عن جميع أنواع البكاء وقد فهم منه بعض الصحابة رضي الله عنهم العموم فخصصوا بذلك قوله تعالى {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وكان الحديث لسامعه من في النبي صلى الله عليه وسلم قطعيًا فلا ضير في نسخ الآية مع أن أكثر العلماء على جواز نسخ الآية بخبر الواحد ولذلك العموم عقد له بابًا على حدة أو للفرق بين النوحة والبكاء فكان من إرادته الإشارة إلى أن النوحة حرام مطلقًا وفي البكاء تفصيل واختلاف. قوله [وقد كره قوم من أهل العلم] مقتضى نهي هؤلاء (١) هو العموم، قوله [ولكنه نسى أو أخطأ] علم بذلك أن فهم الراوي غير معتبر وبتأويل عائشة رضي الله عنها وتمسكها بالآية أن خبر الواحد يجب أن يجمع بالآية وإلا ترك بمقابلتها قوله [إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها] تعني أنه صلى الله عليه وسلم أراد بذلك إنها مبتلاة فيما هي مبتلاة فيها وهؤلاء يبكون عليها أي على فواتها ولا يعلمون بحالها فيشغلون بها عن بكائهم إلا أن ابن عمر فهم منه أنها تعذب ببكائهم عليها وفيه أن تأويل عائشة رضي الله عنها بظاهره مناف لما مر من تأويل أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه أنه لو كان كافرًا عذب وهذه مع كونها كافرة فقد أنكرت عائشة رضي الله عنها أن تعذب ببكاء أهلا عليها فكيف التفصي عنه، والجواب أن عائشة رضي الله عنها لم تبلغها الرواية المثبتة لعذاب الميت ببكاء أهله، وأما الرواية التي كانت بلغتها فلم يكن فيها تعرض بما نحن فيه فوجب لنا الجمع بين الرواية والآية كما جمعت عائشة بين الآية والتي بلغتها من الرواية:
قوله [قال ولكن نهيت] يعني أن الذي أردت بقولي لم تفهموه أنتم، وبذلك يعلم أن العام كثيرًا ما يراد به الخاص اتكالاً على الفهم أو على ما بين في
(١) وهو الأول من الأقوال المذكورة فيه قال الحافظ: ومنهم من حمله على ظاهره وهو بين من قصة عمر مع صهيب كما أخرجه البخاري وممن أخذ بظاهره أيضًا عبد الله بن عمر فروى عبد الرزاق أنه مشهد جنازة رافع بن خديج فقال لأهله إن رافعًا شيخ كبير لا طاقة له بالعذاب وأن الميت يعذب ببكاء أهله عليه كذا في الأوجز.